الأدلة العقلية على وجود الله
يحتاج البعض من الناس إلى أدلة عقلية تثبت وجود الله -عز وجل- وتفرده في الخلق والعبادة، بسبب ما أصاب الفطر من تلوث. لذا، نحتاج إلى هذه الأدلة لاستعادة المعرفة الفطرية، مع التأكيد على ضرورة أن تكون الأدلة صحيحة؛ لتعزز الحق ولا تضعفه، لأن الحق لا يتطلب تنوع الأدلة، بل يحتاج إلى صحتها وجودتها.
وتتراوح الأدلة على وجود الله -سبحانه وتعالى- من الفطرة الإنسانية إلى كل ذرة في هذا الكون، حيث إن كل ما في هذا الكون يشهد بأن له خالقًا ومدبرًا. وقد أشار القرآن الكريم إلى أن الفطرة السليمة تشهد بوجود خالق في قوله -سبحانه وتعالى-: (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا ۚ فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ۚ لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ۚ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ).
كان من الممكن الاكتفاء بدليل الفطرة لإثبات وجود الله -سبحانه وتعالى-، ولكننا نشهد في عصرنا الحالي انحرافًا فكريًا أدى بعض الأشخاص إلى قولهم إنه لا يوجد خالق، وانتشرت هذه الآراء وأُلّف في دعمها كتب. لذا، أصبح من الضروري التوسع في الأدلة لتشمل الأدلة العقلية.
تعتمد الأدلة العقلية على مبدأ السببية، الذي ينص على أنه يوجد سبب وراء وجود كل شيء في هذا الكون، وهو ما يقوم عليه دليل الخلق والإيجاد ودليل الإحكام والإتقان، وسنقوم بشرحهما بالتفصيل. ومن الآيات الدالة على مبدأ السببية في القرآن قوله -سبحانه وتعالى-: (وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَّكُمْ).
دليل الخلق والإيجاد
يستند هذا الدليل إلى فكرة حدوث الكون بعد أن لم يكن، مما يثبت وجود خالقٍ عظيم أحدثه. فالكون حادث له بداية، انتقل فيها من العدم إلى الوجود، وكل حادث يتطلب مُحدثًا، كما قال -سبحانه وتعالى-: (أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ).
في هذه الآية، يبين الله خلق الإنسان ويحث على استخدام العقل والتفكير. هل جاءوا من غير خالق؟ هذا أمر غير منطقي، أم هل خلقوا أنفسهم؟ وهذا الأمر أشد استحالة. لذلك، لا بد من وجود خالقٍ هو الله -سبحانه وتعالى-، وقد وردت الآية بصيغة الاستفهام المستنكر لتوضيح أن وجود الخالق هو مسألة بديهية لا يمكن إنكارها.
على سبيل المثال، إذا رأينا حجرًا يتحرك من أسفل البناية إلى أعلاها، فإننا ندرك بأنه لم يتحرك بنفسه، بل لا بد من وجود شخص قام بتحريكه وتغيير مكانه. ومن العجيب أن البعض يؤمن بهذا ويُنكر في الوقت ذاته وجود مُحدث أو صانع لهذا الكون، رغم أن الكون يتسم بتعقيد كبير وعظمة في الخلق، كما قال -سبحانه وتعالى-: (لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ).
ومن الآيات القرآنية التي تشير إلى دليل الخلق والإيجاد قوله -سبحانه وتعالى-: (أَوَلَا يَذْكُرُ الْإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئًا)، وقوله أيضًا: (قَالَ كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِن قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا).
دليل الإحكام والإتقان
يتحقق هذا الدليل من خلال ما يتسم به الكون من إحكام وإتقان في التفاصيل الدقيقة المذهلة. هذه الدقة تصل إلى حد الانبهار، وهي لا بد أن تكون نتاج فاعل يتسم بالحكمة والقدرة والعلم. ويسمى هذا الدليل أيضًا بدليل النظام، حيث إن المخلوقات تتبع نظامًا دقيقًا لا يتغير ولا ينخرم.
يستند هذا الدليل إلى فرضيتين، الأولى هي أن الكون مُتقن ومُحكم في تركيبه بطريقة معقدة يستحيل نسبتها إلى الصدفة، والثانية هي أن هذا الإحكام والإتقان يتطلب فاعلًا. مثلًا، السماء مرفوعة كالسقف بلا أعمدة، والأرض مبسوطة كالبساط، والنجوم منضودة كالمصابيح، والحيوانات مُسخرة للمراكب.
يظهر النظر في مخلوقات هذا الكون في دلالة لا تعبر فقط عن وجود خالق، بل تدل على عظمته وقدرته الهائلة. وإذا ما قام الإنسان بتفعيل عقله والتفكير في هذا الأمر، فإن القرآن الكريم أشار إلى هذا بقوله -سبحانه وتعالى-: (أَفَلَا يَنظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ*وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ*وَإِلَى الجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ*وَإِلَى الأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ).
ويدعم هذا الإتقان العظيم للكون عدد من العلماء والباحثين البارزين، من بينهم هيرشل، عالم الفلك الإنجليزي، الذي قال إن العلم كلما اتسع، تزايدت الحجج القوية الدالة على وجود خالق أزلي بلا حدود لقدرته. وقد تعاون الفلكيون والرياضيون والجيولوجيون على تعزيز صرح العلم، الذي هو في الأساس صرح عظمة الله وقدرته وحده.