أهمية بشارية الأنبياء والرسل
أظهر الله -تعالى- حكمته في خلق كل شيء بأسلوب متماسك مع قوانين الكون، حيث يمتاز بقدرته في كل شأن لتعزيز الإسلام وجعله صالحاً لكل زمان ومكان، خالياً من الهنات والشبهات.
وقد اقتضت حكمته أن يرسل شريعة الإسلام من خلال رسله -عليهم أفضل الصلاة والسلام-، وتطلبت هذه الحكمة أن يكون هؤلاء الرسل من البشر، وفي وسط البشر، ليكونوا بمثابة قدوة لهم، مما يسهم في نشر نور الإسلام في جميع أرجاء العالم.
وتتعدد الأسباب التي تفسر الحكمة وراء كون الأنبياء والرسل من البشر، والتي سنتناولها كما يلي:
تعزيز الألفة والود
عندما يكون الداعي من جنس المدعوين من البشر، فإن التوافق في الصفات يجعل النصيحة أقرب إلى النفوس، مما يؤدي إلى تناغم القلوب وتحسين العبادة، وبالتالي يسهل الالتزام بتعاليم الدين.
التوجيه والإرشاد
عندما يكون الأنبياء والرسل بشراً، يصبحون أكثر قدرة على قيادة البشريّة، حيث يستطيعون توجيه الناس إلى القيام بأعمال الخير، لأنهم أيضاً مكلفون بالعبادة، مما يسهل عليهم التواصل وإيصال الرسالة.
قدوة يحتذى بها
إذا كان الرسول من البشر، فإنه يصبح مثالاً يتبعه الناس، حيث اختار الله رسلاً مؤهلين لتحمل أعباء الرسالة، ويتصفون بأخلاق الإسلام، ليتعلم الناس دينهم منهم. قال -تعالى-: (لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ).
الأثر العميق للمعجزات
عندما يرسل الله بشراً كرسول، تكون المعجزة أكثر تأثيراً على النفوس، حيث لو أرسل الله الملائكة، لما كان لتلك المعجزات نفس الأثر، ولكن إرسال الرسل من بين البشر يسهل عملية الإيمان في القلوب ويعززها.
تمييز المؤمنين
توضح حكمة الله في ذلك بخضوع المؤمنين للاختبارات، حيث إذا أرسل ملكاً، لربما اتبعه الناس بسبب عظمة خلقه، مما قد يدفع بعضهم لعبادته، لذلك أرسل الله الرسل من البشر ليكون الإيمان أكثر صدقاً ووضوحاً.
صعوبة الاتصال بالرُسل الملائكة
لأن البشر مخلوقون من طين، لا يمكنهم التعامل مع مخلوقات مخلوقة من نور، إذ أن إرسال الملائكة كرسل قد يعيق فهم طبيعة النفس البشرية والعواطف، مما يجعل التواصل معهم صعباً. قال -تعالى-: (وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَّجَعَلْنَاهُ رَجُلًا وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِم مَّا يَلْبِسُونَ).
ولو كان الله قد أراد إرسال الملائكة، لَأرسلهم على هيئة رجال، ولكن ذلك كان سيفضي إلى لبس لا يمكن للملك تجاوزه، مما يمنع تحقيق الهدف من البعثة. قال -تعالى-: (وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَن يُؤْمِنُواْ إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى إِلَّا أَن قَالُواْ أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَرًا رَّسُولاً* قُل لَّوْ كَانَ فِي الأَرْضِ مَلَائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِم مِّنَ السَّمَاء مَلَكًا رَّسُولاً).
بشرية الأنبياء والرسل
لا يمكن أن تستقيم أحوال الناس إلا من خلال تولي الأفراد من جنسهم زمام الأمور، ليتلقوا نورهم من تعاليم الإسلام، ويقيموا الحكم وفق ما أمر الله بحيث يقتدي بهم الناس. ومن هنا اقتضت حكمة الله تعيين أنبياء ورسل يقودون البشرية إلى الحق، تحت هدى الإسلام. وقد اختار الله رجالاً لمنصب النبوة يحملون صفات نبيلة تُعزز روح الإسلام. فقال -تعالى-: (وَمَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَدًا لا يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَمَا كَانُوا خَالِدِينَ).