خصوصية الحياة الزوجية في الإسلام
تعتبر الحياة الزوجية قاعدة ذات استقلالية وخصوصية، حيث يُتوقع ألا يتدخل أي طرف خارجي في شؤون الزوجين، حتى في حالة حدوث خلافات طبيعية. يتم علاج هذه الخلافات من دون تدخلات خارجية، لأن الزوجين هما الأكثر معرفة بحياتهما وعلاقاتهما الخاصة، ولديهما تفاصيل وأمور مشتركة لا يعرفها سواهما.
يجب أن يكون التدخل في شؤون الزوجين ناتجًا عن احتياج مشترك ورغبة منهما، فإن تدخّل طرف خارجي بدون موافقتهما أو علمهما قد يسبب مشكلات وأزمات تؤثر سلبًا على العلاقة الزوجية، وقد تؤدي إلى صراعات أو انقطاع بين الزوجين. ومن جانب آخر، تعتبر المحافظة على أسرار الحياة الزوجية إحدى جوانب الخصوصية، حيث يجب على كل من الزوجين الحفاظ على خصوصية الآخر.
مساحة الخصوصية بين الزوجين
يُعد التقارب بين الزوجين أمرًا فطريًا، إذ تبنى علاقتهما على أسس من المودة والرحمة والحب والاستقرار. إذ يعود الزوج دائمًا إلى زوجته ليجد في وجودها راحة وطمأنينة، بينما تعكس هي ذات المشاعر وتشاركه همومه، مما يعزز علاقتهما. قال الله تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ).
الحياة الزوجية ليست مجرد علاقة قصيرة أو قائمة على مصلحة معينة، بل هي ارتباط طويل الأمد يتواجد فيه الزوجان بشكل متواصل ويتقاسمان الكثير من جوانب حياتهما؛ مثل الطعام والشراب والراحة. وبطبيعة الحال، لكل منهما تصرفات واهتمامات خاصة يمكن أن يتشاركا جزءًا منها.
نظرًا لأن العلاقة الزوجية تحمل طبيعة مختلفة مقارنة بالعلاقات الأخرى، يمكن القول إن مساحة الأمور الخاصة بأحد الزوجين تكون أقل من غيرها، ولكنها تبقى موجودة. هذه المساحة من الخصوصية تمنح العلاقة استمرارية وهدوء، وتساهم في تعزيز المحبة والود بينهما.
عندما يدرك كل طرف أنه يملك مساحة خاصة في بعض الأمور، فإنه يشعر بمزيد من الراحة تجاه الطرف الآخر، مما يقضي على الشعور بالضغط أو المراقبة المستمرة، وهو ما يعد حقًا لكلا الزوجين.
أهمية الصراحة بين الزوجين
ويجب أن نفهم أن الخصوصية لا تعني بالضرورة السماح لأحد الطرفين بممارسة سلوكيات محرمة أو غير مقبولة، أو الإساءة للطرف الآخر، أو التصرف بما يؤثر سلبًا بشكل مباشر على أحدهما. مثل هذه التصرفات مرفوضة وقد تؤدي إلى مشكلات وخلافات تؤثر على استمرارية الحياة الزوجية.
بما أن العلاقة الزوجية تعتمد على المودة والرحمة، فإن كلا الطرفين بحاجةً إلى التواصل حول أحوالهما ومشاعرهما، خاصةً عند حدوث مفاجآت أو عند مراقبة أي تغيير في سعادة أحدهما. مثل طرح الأسئلة عن الهواجس والمشاركة في الأفراح أو الأتراح تعزز من الحب والسعادة، إذ يشعر كل منهما بأن لديه من يشاركه حياته في جميع لحظاتها.
كلما زادت القربى بين الزوجين، زالت الحواجز بينهم، مما يسهل عليهم أن يكونا أكثر وضوحًا وصراحة ويعبر كل منهما عن احتياجاته ورغباته، مما يعزز الثقة والأمان، وهو ما يؤدي في النهاية إلى تقليص مساحة الخصوصية بينهما.