الموضوعات الشعرية في العصر الجاهلي وتأثيرها الأدبي

ما هي الموضوعات الشعرية؟

تتنوع الموضوعات الشعرية وتتشابك فيما بينها، وقد بُذلت عدة جهود لتصنيف هذه الموضوعات. من بين أقدم هذه المحاولات كان تقسيم الشاعر أبو تمام في كتابه “الحماسة”، حيث صنف الشعر إلى عشرة موضوعات وهي: الحماسة، المراثي، الأدب، النسيب، الهجاء، الأضياف، المديح، الصفات، السير، النعاس، ومذمة النساء.

تتداخل هذه الموضوعات بشكل واضح؛ فموضوع الأضياف يرتبط بالمديح، بينما السير والنعاس يدخلان ضمن فئة الوصف. مع مرور الوقت، استمرت الجهود في تقسيم الموضوعات، حيث تتفاعل هذه التصنيفات مع بعضها. يعتبر تقسيم أبي هلال العسكري من بين الأفضل، إذ قسم الموضوعات في العصر الجاهلي إلى المديح، الهجاء، الوصف، التشبيه، المراثي، والاعتذار الذي أضافه النابغة الذبياني. ومع ذلك، فقد أغفل الحماسة، التي تشمل الفخر، والتي تعد من أكبر الموضوعات في هذا العصر، كما أن الوصف والتشبيه تم إدراجهما في موضوعات أخرى مثل الغزل والنسيب.

الأغراض الشعرية الرئيسية

يمكن تصنيف الموضوعات الشعرية إلى: المديح، الهجاء، الرثاء، الاعتذار، الفخر، الوصف، والغزل. وبلا شك، تتداخل هذه الموضوعات فيما بينها، خاصة في الشعر الجاهلي. ومن أبرز هذه الأغراض الشعرية:

الفخر

تمتع العرب في عصر البداوة بحب الفخر والاعتزاز بمآثرهم. يعتقد ابن رشيق أن الفخر يعد مديحًا للنفس والعشيرة، وكل ما يُستحسن في المديح يظهر جماله أيضًا في الفخر. بينما يرى الرافعي أن الفخر يتطلب توثيق الأحداث، إذ إن الفخر بشجاعة في المعركة يتطلب تسجيل ما حدث فيها، والفخر بالكرم لابد أن يُسجّل له مواقف الكرم حتى يُستحق لقب الكريم.

وقد كان الفخر حاضراً بقوة في الشعر العربي خلال العصر الجاهلي، حيث كان الشاعر يُعبر عن اعتزازه بنفسه وبقبيلته. ومن المعلقات التي تناولت هذا الموضوع، نجد معلقة عمرو بن كلثوم، حيث قال:

أَبا هِندٍ فَلا تَعَجَل عَلَينا

وَأَنظِرنا نُخَبِّركَ اليَقينا

بِأَنّا نورِدُ الراياتِ بيضًا

وَنُصدِرُهُنَّ حُمراً قَد رَوينا

وَأَيّامٍ لَنا غُرٍّ طِوالٍ

عَصَينا المَلكَ فيها أَن نَدينا

وَسَيِّدِ مَعشَرٍ قَد تَوَّجوهُ

بِتاجِ المُلكِ يَحمي المُحجَرينا

تَرَكنا الخَيلَ عاكِفَةً عَلَيهِ

مُقَلَّدَةً أَعِنَّتَها صُفونا.

يتفاخر الشاعر بما فعله قومه في الحروب، معبرًا عن فخرهم بتحدي الملوك وعدم طاعتهم لهم.

المديح

يميل كل إنسان إلى بعض مشاعر الكبرياء، وهي فطرة إنسانية ظهرت أيضًا في الشعر الجاهلي. وقد استغل بعض الشعراء تلك الفطرة لاستغلال مديحهم للملوك من أجل الحصول على العطايا. رغم ذلك، كان هناك نوع آخر من المديح يتمثل في تقدير الأشخاص الذين يستحقون المديح لمجرد جدارتهم بذلك.

من الشعراء المتميزين في المديح نجد زهير بن أبي سلمة، الذي مدح هرم بن سنان والحارث بن عوف بسبب وقفهم للحرب بين عبس وذبيان. في معلقته يقول:

فَأَقسَمتُ بِالبَيتِ الَّذي طافَ حَولَهُ

رِجالٌ بَنَوهُ مِن قُرَيشٍ وَجُرهُمِ

يَميناً لَنِعمَ السَيِّدانِ وُجِدتُما

عَلى كُلِّ حالٍ مِن سَحيلٍ وَمُبرَمِ

أما الصنف الثاني من المديح، وهو مديح التكسب، فقد برع فيه كل من النابغة الذبياني والأعشى. وقد كتب الأعشى:

فَإِذا تُجَوُّزُها حِبالَ قَبيلَةٍ

أَخَذَت مِنَ الأُخرى إِلَيكَ حِبالَها

الهجاء

نال الهجاء نصيبًا كبيرًا من الشعر الجاهلي، وكان الخوف من الهجاء أمرًا ملحوظًا؛ إذ رُويَ أن من أراد استلاب شيء من قبيلة أخرى لم يكن يجرؤ على القيام بذلك خوفًا من هجائهم. بعض الشعراء استخدموا الهجاء للانتقاص من مكانة القبائل المنافسة.

من بين الشعراء الذين برعوا في الهجاء نجد زهير والنابغة والأعشى وطرفة. ومن هجاء الأعشى قوله:

لَقَد سَفَرَت بَنو عَبدانَ بَيناً

فَما شَكَروا بِلَأمي وَالقِداحِ

الاعتذار

يجسد الاعتذار أحد الموضوعات الشعرية، حيث كان النابغة الذبياني هو أول من تناول هذا الموضوع في شعره، إذ قدّم اعتذارًا للنعمان الذي أبعده وهدر دمه بسبب تغزله بزوجته. وقد أرسل النابغة إليه معلقته التي يقول فيها:

فَتِلكَ تُبلِغُني النُعمانَ إِنَّ لَهُ

فَضلاً عَلى الناسِ في الأَدنى وَفي البَعَدِ

وَلا أَرى فاعِلاً في الناسِ يُشبِهُهُ

وبذلك، يتضح أن الشعر في العصر الجاهلي كان وسيلة للتعبير عن المواقف والأحاسيس المختلفة، متناولًا مجموعة من المواضيع التي تعكس الثقافة والمجتمع العربي في ذلك العصر.

Related Posts

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *