الأدوات الفنية المستخدمة في رواية موسم الهجرة إلى الشمال

الأدوات الفنية في رواية موسم الهجرة إلى الشمال

الوصف

يُعتبر الوصف من أبرز الأدوات الفنية المستخدمة في رواية “موسم الهجرة إلى الشمال”، حيث يساهم في تشكيل صورة الفضاء المكاني وهيئة الشخصيات. يساعد هذا الأسلوب الفني القارئ على الانغماس في السرد ويربطه بعالم الرواية. على سبيل المثال، يتم وصف الشخصية الرئيسية “مصطفى” بشكل دقيق، حيث عُرضت وسامته وعينيه الناعستين، بالإضافة إلى قوته التي تم تشبيهها بالقوة الآلية.

لقد كان لهذا الوصف تأثير مباشر على القارئ، إذ أوضح السارد أن شخصية مصطفى سعيد ستكون لها دلالة مركزية ضمن الأحداث، مما أتاح مجالًا لصراع جذري بين البطل ومصطفى، لرغبة الأول في اكتشاف أسرار الثاني. هذه الصورة الحسية تظل حاضرة في أذهان الشخصيات خلال مسار الرواية.

لا يتوقف الوصف عند الشخصيات فحسب، بل يمتد أيضًا لتفاصيل المكان، كما هو الحال مع وصف القرية التي تجري فيها الأحداث. إنها قرية بسيطة تقع على ضفاف النيل، بما تحتويه من نخل وزراعة للقمح، حيث يعكس سكانها طبيعة بسيطة لا تتقيد بالمجاملات أو احترام المواعيد، مما يزيد من وضوح البساطة في البيئة المحيطة.

علاوةً على ذلك، يتم وصف مراحل غرق البطل بدقة، حيث يستعرض السارد لحظة دخوله إلى الماء في الفجر، وعجزه عن مقاومة ضغطه، مما أدى إلى جره إلى أعماق النهر. ورغم تلك القوة الهدّامة، استمر في قتال تيار الماء، مُعبرًا عن تمسكه بالحياة ورغبته في الاستمرار.

التناص

يُعتبر التناص من الأدوات الفنية المبتكرة التي تم استخدامها بمهارة في الرواية. وقد تباين توظيف هذه الأداة بين الأسلوب المباشر والمضمر. ففي أحد المشاهد، تم استخدام قصيدة إنجليزية تدور حول الحرب العالمية الأولى على لسان مصطفى سعيد، مما كشف عن عمق شخصية مصطفى وأسرارها المستترة.

على الصعيد الآخر، تجلى التوظيف المضمر عبر استحضار أسطورة آلهة النيل، حيث كان مصطفى سعيد يفتن النساء الإنجليزيات بجاذبيته وحلاوة حديثه، مثلما يُغري النيل الناس بخيراته، ولكنه في الوقت ذاته يمكن أن يبتلعهم في أعماقه إذا تم تجاهله. وارتبطت هذه الصورة بتقديم الفراعنة تضحيات بشرية سنويًا لضمان فيضان النهر.

كما يتجلى التناص في استخدام المسبحة كأداة قريبة من عصا الساحر، حيث كان جد البطل يستخدمها لضرب الأطفال كما كان يعتقد بأنها تُبعد الأرواح الشريرة. يضفي هذا التوظيف بُعدًا أسطوريًا على الأحداث، ليظهر تأثير الخرافات والأساطير في حياة الأفراد.

الحوار

يُعتبر الحوار من الأدوات الفنية الأساسية في السرد الروائي، حيث يتيح للشخصيات الحرية في التعبير عن ذواتها وكشف دواخلها. يظهر ذلك جليًا في حوار البطل مع مصطفى سعيد، الذي يعرض له هويته وتاريخه قبل وصوله إلى القرية، مما يُبرز مناطق غامضة في الحكاية.

أشار مصطفى سعيد في حديثه إلى طفولته، وتأثير وفاة والده، وصعوبة حياة والدته، ورحلته إلى المدرسة، وكيف تألق دراسيًا، مما أفضى إلى سفره إلى القاهرة ومن ثم إلى إنجلترا، حيث غرق في علاقات غرامية متعددة وأُدين بتهمة التسبب في انتحار بعض النساء.

تظهر التقنية الحوارية بوضوح ملامح الشخصيات، إذ تعكس شخصية مصطفى سعيد اعتدادها بنفسها، حيث عادت بشهادة الدكتوراة في الأدب من إنجلترا، في حين أنها كانت تتوجس حول هويته، لكنها دافعت عنه بعد وفاته بعد افتضاح أمره في الخرطوم.

كما ساعد الحوار على إضاءة شخصيات ثانوية أخرى في الرواية، مثل جد البطل الذي يظهر التدين والوقار، لكنه يرتبط بأشخاص ذوي ميول غير سوية، حيث تتمحور أحاديثهم حول مواضيع تثير الدهشة، رغم كبر سن الجد واهتمامه بالدين، مما يعكس تناقضات عميقة في الشخصيات.

Related Posts

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *