التمييز بين البلاء والابتلاء
توجد فروق لفظية بين مصطلحي البلاء والابتلاء، وعلى الرغم من ذلك، فإن بعض العلماء قاموا بتمييز بينهما. فالابتلاء يُعتبر اختبارًا يُنزل على المؤمن من الله -عز وجل-، ومثال ذلك ما حدث مع سيدنا إبراهيم عندما أمره الله بذبح ابنه.
لم يكن هدف الله تعالى من هذا الأمر هو تنفيذه بشكل فعلي، بل كان الغرض منه هو الابتلاء والاختبار. وفي حال كان الأمر يُراد إنفاذه، لكان قد تم. ولم يكن إسماعيل فداءً لهذا الابتلاء.
وكذلك في قصة سيدنا موسى -عليه السلام- عندما قام فقأ عين ملك الموت، حين أمر الله ملك الموت بالنزول ليتولى قبض روح موسى. فقد كان هذا الأمر أيضًا متعلقًا بالابتلاء والاختبار، لذا لم يتمكن ملك الموت من القبض على روح موسى في المرة الأولى. وفي حال كان الله تعالى قد أراد إنفاذ الأمر أولاً، لكان قد تحقق ذلك بيسر.
الابتلاء هنا يُشير إلى الاختبار؛ إذ إن المصائب التي تصيب العبد تهدف إلى قياس صبره واحتسابه، وكشف مدى شكره أو سخطه. بينما البلاء، فإنه ينزل على المؤمن والكافر على حد سواء.
أنواع البلاء
حثّنا الرسول الكريم -عليه الصلاة والسلام- على الاستعاذة من البلاء ومن كل ما هو شر، حيث قال: (تَعَوَّذُوا باللَّهِ مِن جَهْدِ البَلاءِ، ودَرَكِ الشَّقاءِ، وسُوءِ القَضاءِ، وشَماتَةِ الأعْداءِ).
ينقسم البلاء إلى قسمين رئيسيين: بلاء جسدي وبلاء ذهني نفسي. فالبلاء الجسدي يتمثل في الأمراض أو الأزمات الصحية التي تؤثر على الجسم، مثل البرص والجنون والجذام وغيرها من الأمراض. وقد ورد عن النبي -عليه السلام- حديث ضعيف يرويه أنس بن مالك يقول فيه: (الصدقَةُ تمنعُ سبعينَ نوعًا مِنْ أنواعِ البلاءِ، أهونُها الجذامُ والبرَصُ).
أما البلاء الفكري والنفسي، فيتعلق بالقلق والهم وكثرة التفكير الناجم عن الفقر والمشاكل الحياتية، مما يؤدي إلى فقدان صفاء النفس وراحتها. وقد يتمثل أيضًا في تسلط الآخرين وأذاهم اللفظي.
طرق دفع البلاء
أمرنا الله باتخاذ جميع الأسباب التي تجلب الخير وتدفع الشر، مع ضرورة التوكل عليه في النتائج، والقبول بأقداره -سبحانه وتعالى-؛ لأن كل ما ينزل على العبد من بلاء هو بقضاء الله وقدره. وفيما يلي بعض من أسباب دفع البلاء:
- شكر الله تعالى وتقواه.
- ممارسة الطاعات والابتعاد عن المحرمات.
- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، على خطى الأنبياء.
- الابتعاد عن الظلم وصلة الأرحام.
- الاستعاذة بالله من السوء، والتوكل عليه في الأمور.
- الدعاء وطلب الحفظ من الله.
- عدم الإساءة إلى أولياء الله الصالحين.
- الصبر والثبات.
قال رسول الله -عليه الصلاة والسلام-: (عَجَبًا لأَمْرِ المُؤْمِنِ، إنَّ أمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وليسَ ذاكَ لأَحَدٍ إلَّا لِلْمُؤْمِنِ، إنْ أصابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ، فَكانَ خَيْرًا له، وإنْ أصابَتْهُ ضَرَّاءُ، صَبَرَ فَكانَ خَيْرًا له).
كل ما يحدث للإنسان من خير أو شر هو علم الله، وبالنظر إلى الممارسات البشرية، قد تبدو بعض البلاءات كعدم خير، لكنها قد تكون قمة العطاء. فكل ما يصدر من الله هو وفق ما هو أفضل وأصلح، كما جاء في قوله: (وَكُلُّ شَيْءٍ عِندَهُ بِمِقْدَارٍ).