قصيدة أمي
- يتحدث الشاعر محمود مفلح في قصيدته “أمي”:
ما لي سمعت كأنما لم أسمع الخبر،
هل صار قلبي في أضلاعه حجرًا؟
ما لي جمدت ولم تهتز قافيتي،
ولا شعرت ولا رأيت من شعرٍ؟
كأن كل سواقي الشعر قد أسنت،
من جفف الشعرَ من بالشعر قد غدر؟
أنا الذي عزفت أوتارُه نغمًا،
هزَّ الورى والذُرى والطير والشجر.
ما لي سكتُ فلم أنطق بقافية،
ولا رأيت بعيني الدمع منحدرًا؟
هل جفف الرمل إحساسي وجففني،
فأصبح الشعر لا علمًا ولا خبرًا؟
وهل عجزت عن التعبير وآسفي،
كأنني لم أصغ للغادة الدُرر؟
أمي تموت ويمنها على كبدي،
يا أمّ رحمّة إن القلب قد فطر.
هزّي سريري إني لم أزل ولدًا،
ودثريني إن الريح قد زأرت.
وجفّفي عرقي فالصيف ألهبني،
وسلسلي الماء كي أقضي به وطرًا.
مدّي يديك كما قد كنت ألثمها،
فقد نهضت ووجه الصبح قد سفرا.
وأحيطني.. تلك العيون خائنة،
وكم رأيت عيونًا تقدح الشرر.
ولوّني أغاني الصيف في شفتي،
وقرّبي من وسادي النجم والقمر.
ما زال صوتك يا أماه يتبعني،
يا ربّ رُد حبيبًا أدمن السفرا.
يا ربّ صُنْهُ من الأشرار كلهم،
ورُد عنه الأذى والكيد والخطر.
واجبر إلهي كسرًا حل في ولدي،
فأنت تجبر يا مولاي ما انكسر.
يا ربّ جفّت دموع الأمهات هنا،
فأرسل علينا الغيث والمطر.
كل العصافير عادت من مهاجرها،
متى نعود إلى أعشاشنا زمرًا؟
وارحم إلهي زوجًا غاب عائلها،
في ظلمة السجن لم تبصر له أثرًا.
وطفلةً كلما قالت زميلتها،
أتى أبوك؟ تشظى القلب وانفجر.
وارحم إلهي شيخًا دبّ فوق عصا،
قد كاد من طول ليل يفقد البصر.
يا من رددت إلى يعقوب يوسفَه،
لا تترك الشيخ فردًا لا يُطيق كرى.
يا ربّ ما ذنب أحرارٍ إذا وقفوا،
مثل الجبال وموج الظلم قد سكرا؟
ما زال صوتك يا أماه يجلدني،
إني أسأت وجئت اليوم معتذرًا.
لا والذي خلق الدنيا وصورها،
ما خنتُ عهدك يومًا ما قطعت عرى.
لكنها محنٌ حلت بساحتنا،
أودت بفكر الذي قد روّض الفكر.
أمي تموت ولم أفزع لرؤيتها،
ولا قرأت على جثمانها سُورًا.
ولا حملت على كتفي جنازتها،
ولا مشيت مع الماشين معتبرًا.
قصيدة إلى أمي
قال الشاعر محمود درويش في قصيدته “إلى أمي”:
أحن إلى خبز أمي،
وقهوة أمي،
ولمسة أمي،
وتكبر في الطفولة،
يوماً على صدر يوم،
وأعشق عمري لأني،
إذا متُ،
أخجل من دمع أمي!
خذيني، إذا عدت يومًا،
وشاحًا لهدبك،
وغطّي عظامي بعشب،
تعمّد من طهر كعبك،
وشدّي وثاقي..
بخصلة شعر،
بخيط يلوّح في ذيل ثوبك..
عساي أصير إلها،
إلها أصير..
إذا ما لمست قرارة قلبك!
ضعيني، إذا ما رجعت،
وقودًا بتنور نارك..
وحبل غسيل على سطح دارك،
لأني فقدت الوقوف،
بدون صلاة نهارك.
هرمت، فردّي نجوم الطفولة،
حتى أشارك،
صغار العصافير،
درب الرجوع..
لعشّ انتظارك!
قصيدة أمي والوطن
- يقول الشاعر عبد الواسع السقاف في قصيدته “أمي والوطن”:
أمي كتبتُ لك الحنين،
وزرعت أقلامي أنينًا،
وروَيتهم بالشعر، خروا،
عند ذكرك ساجدين.
أمي بعمق العالمين،
أرسلت أصدائي حنينًا،
ومضيت أصرخ ألف أمي،
منذ آلاف السنين.
في السابقين.. في اللاحقين،
في كل ذرة طين.
ونسجت باسمك ألف مي،
لا دٍ وميلادٍ مبين.
لكرامة الإنسان في الوطن،
مرفوع الجبين.
حتى يرى التاريخ أني،
حين أصرخ لا ألِين.
فجّرت أعضائي بأع،
ضائي، بدأت من اليمين.
فجّرت فيها ثورة،
للناس، أشعلت الوتين.
وأتيت قلبك بالدمو،
ع كأنني طفلٌ حزين.
وكأنني رغم الرجو،
لة بين شكي واليقين.
ما زدتُ في دنياك إلا،
أن أكون بها جنينًا.
أمي غصون الزَّيزَفون،
أمي المناسك والمُتون.
أمي مواقيت الصلاة،
إذا تلاها العابدون.
أمي تباشير الصبا،
إذا رآها الخائفون.
أمي تباشير الغروب،
إذا رآها الصائمون.
ما بين صبح أو مسا،
أمي ضياءٌ للعيون.
أمي غناء الطير في،
أعشاشها فوق الغصون.
أمي بكاها النأي وال،
قانُون في إحدى اللحون.
أمي نعاها القدس وال،
أقصى، وعانتها السّنون.
أمي مرارات السلام،
إذا إرتآها المُشركون.
أمي، ومن لي غير،
أمي، لا أصير ولا أكون.
أمي الأمان، إذا رأيت،
الكون في كفّ المنون.
آنست أمي والشجن،
وكتبت بينهما الوطن،
ونسجت بالألفاظ من،
شعري على شعري كفن.
وسَّدت فيه الآه بال،
أسحار، ميلادُ حسن.
وعزفت قيثاري، فغنى الريح في عرس الوسن.
حاكت يمين الشعر،
حول الأم موال اليمن.
غنَّت به بلقيس في،
صنعاء، وفي قاعي عدن.
غنّيت أمي في حقل،
البُن في أرض اليمن.
غنيتها وردًا وري،
حانًا ملأت بها الوطن.
وروَيتها غصنًا من ال،
زيتون في وجه الفتن.
منذ اشرأبت أعناق ال،
أغصان في وادي تُبن.
للنور يسرق خَطره،
بين المعاصم والرَّسن.
غنيت أمي لا أخا،
فالصَّحب إن قالوا: وَهَن.
غنيتها يا حب في،
شعري، وإن قالوا: لمن؟
للعابد المصلوب يب،
كي في المساجد كالوثن.
للحائر المجروح لا،
يرقى لإيقاف الزمن.
للخائف المرعوب لا،
يقوى، وإن غنوا جَبَنْ.
للشمس تفتح بين أه،
دابي وأعتابي وطن.
قصيدة خمس رسائل إلى أمي
- يكتب الشاعر نزار قباني في قصيدته “خمس رسائل إلى أمي”:
صباح الخير يا حلوة،
صباح الخير يا قدّيستي الحلوة.
مضى عامان يا أمي،
على الولد الذي أبحر،
برحلته الخرافية،
وخبأ في حقائبه،
صباح بلاده الأخضر،
وأنجمها، وأنهُرها، وكل شقيقها الأحمر.
وخبأ في ملابسه،
طرابينًا من النعناع والزعتر،
وليلكةً دمشقية..
أنا وحدي..
دخان سجائري يضجر،
ومنّي مقعدي يضجر،
وأحزاني عصافير،
تفتّش بعدُ عن بيدر.
عرفت نساء أوروبا،
عرفت عواطف الإسمنت والخشب،
عرفت حضارة التعب،
وطفت الهند، طفت السند، طفت العالم الأصفر،
ولم أعثر،
على امرأة تمشّط شعري الأشقر،
وتحمل في حقيبتها، إليّ عرائس السكر،
وتكسوني إذا أعرى،
وتنشُلني إذا أعثر.
أيا أمي،
أيا أمي،
أنا الولد الذي أبحر،
ولا زالت بخاطره،
تعيش عروسة السكر.
فكيف، فكيف يا أمي،
غدوت أبًا..
ولم أكبر؟
صباح الخير من مدريد،
ما أخبارها الفلّة؟
بها أوصيك يا أمّاه،
تلك الطفلة الطفلة،
فقد كانت أحبّ حبيبة لأبي،
يدلّلها كطفلته،
ويدعوها إلى فنجان قهوته،
ويسقيها،
ويطعمها،
ويغمرها برحمته.
.. ومات أبي،
ولا زالت تعيش بحلم عودته،
وتبحث عنه في أرجاء غرفته،
وتسأل عن عباءته،
وتسأل عن جريدته،
وتسأل حين يأتي الصيف،
عن فيروز عينيه،
لتنثر فوق كفيه،
دنانير من الذهب.
سلامات،
سلامات،
إلى بيت سقانا الحب والرحمة،
إلى أزهارك البيضاء، فرحة “ساحة النجمة”،
إلى تختي،
إلى كتبي،
إلى أطفال حارتنا،
وحيطان ملأناها،
بفوضى من كتابتنا،
إلى قطط كسولات،
تنام على مشارقنا،
وليلكة معرشة،
على شباك جارتنا.
مضى عامان يا أمي،
ووجه دمشق،
عصفور يخربش في جوانحنا،
يعض على ستائرنا،
وينقرنا برفق من أصابعنا.
مضى عامان يا أمي،
وليل دمشق،
فلُ دمشق،
دور دمشق،
تسكن في خواطرنا،
مآذنها، تضيء على مراكبنا،
كأن مآذن الأموي،
قد زُرعت بداخلنا،
كأن مشاتل التفاح،
تعبق في ضمائرنا،
كأن الضوء والأحجار،
جاءت كلها معنا.
أتى أيلول يا أماه،
وجاء الحزن يحمل لي هداياه،
ويترك عند نافذتي،
مدامعه وشكواه.
أتى أيلول.. أين دمشق؟
أين أبي وعيناه،
وأين حرير نظرته؟
وأين عبير قهوته؟
سقى الرحمن مثواه،
وأين رحاب منزلنا الكبير،
وأين نعماه؟
وأين مدارج الشمشير،
تضحك في زواياه؟
وأين طفولتي فيه؟
أجرجر ذيل قطته،
وآكل من عريشته،
وأقطف من بنفشاه.
دمشق، دمشق،..
يا شعراً،
على حدقات أعيننا كتبناه،
ويا طفلاً جميلاً..
من ضفائره صلبناه،
جثونا عند ركبته،
وذوبنا في محبّته،
إلى أن في محبتنا قتلناه.