الشعر الاجتماعي في العصر العباسي الثاني: تعريفه وعوامل تطوره

الشعر الاجتماعي في العصر العباسي الثاني

يعتبر الشعر الاجتماعي في العصر العباسي أحد الأشكال الأدبية الأكثر تميزًا التي برزت خلال هذه الفترة. يركز هذا النوع من الشعر على القضايا الاجتماعية التي كانت تهم المجتمع، حيث يتم مناقشتها بشكل نقدي وقد يتخذ هذا النقد طابع السخرية في بعض الأحيان.

انتشار الشعر الاجتماعي

يُعد العصر العباسي فترة ازدهار شهِدتها جميع الأشكال الأدبية، بما في ذلك الشعر والنثر. لم يقتصر أدباء وشعراء هذا العصر على الأغراض الأدبية التقليدية أو المعاني الموروثة من القدماء، بل قاموا بابتكار معاني جديدة وتطوير الموضوعات والصيغ الشعرية. ومن أبرز الأشكال الجديدة التي ظهرت في العصر العباسي الثاني هو الشعر الاجتماعي.

تفاعل هذا الشعر مع مختلف القضايا الاجتماعية، حيث انتقدها وعبّر عن واقع المجتمع العباسي آنذاك وما مرت به من تغيرات وظروف عديدة. أصبح الشعر وسيلة للتعبير عن حياة الفرد وأحواله النفسية، مما جعله يشكل مرآة تعكس واقع الحياة.

عوامل ظهور الشعر الاجتماعي

شهد العصر العباسي العديد من التحولات في مجالات الحكم والسياسة بالإضافة إلى الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والثقافية. وقد ساهمت مجموعة من العوامل في انتشار الشعر الاجتماعي في هذه البيئة، نذكر منها:

  • استجابة طبيعية لتغيرات الحياة في العصر العباسي.
  • الانتقال السريع من حياة البادية إلى الحياة الحضرية.
  • الأحداث المتتالية التي شهدها المجتمع العباسي وأسهمت في تفكك العلاقات الاجتماعية وانحلالها، مما أدى إلى ظهور ظواهر اجتماعية سلبية.
  • التقدم الفكري والعلمي الذي أتاح للشعراء القدرة على التعرف على معضلات المجتمع وانتقادها بشكل مبكر.

خصائص الشعر الاجتماعي

تميز الشعر الاجتماعي بعدة خصائص، منها:

خصائص شكلية وفنية

تشمل الخصائص الشكلية السمات المتعلقة بهيئة القصيدة وألفاظها، وتتضمن:

  • الأدوات: استخدم الشعراء مجموعة من الأدوات مثل النداء، الأمر، النهي، الاستفهام، وأدوات الشرط بشكل متكرر.
  • ألفاظ شائعة: استخدم الشعراء ألفاظاً متداولة مثل الغنى والفقر، اللؤم، الدهر، والبخل، والتي تعكس القضايا الاجتماعية المشتركة.
  • البديع: كانت ميزات البديع حاضرة في أغلب القصائد، حيث استخدم الشعراء جميع أشكاله مثل الجناس والسجع والمقابلة. كما تم توظيف أساليب البلاغة مثل الاستعارة والكناية والتشبيهات.
  • قصر المقاطع: عادة ما لم تتجاوز قصائد الشعر الاجتماعي واحداً من عدة أبيات، حيث كتب بعض الشعراء بيتين، وآخرون ثلاثة أو حتى ثمانية أبيات، لكن لم تصل إلى وحدة الأغراض الشعرية الأخرى من حيث الطول.
  • استعمال ألفاظ نادرة: احتوى الشعر الاجتماعي أحيانًا على ألفاظ وصيغ نادرة الاستخدام.

خصائص معنوية

يحمل الشعر الاجتماعي خصائص معنوية تتعلق بالمعاني، ومن أبرزها:

  • المعاني المتجددة: برزت خاصية توليد المعاني في الشعر العباسي، مما أضفى طابعًا مميزًا على الأساليب الشعرية، حيث لم يكن هذا التوليد دافعاً لتغيير التراث، لكن الشعراء قاموا بتلوين المعاني واكتشاف مشاعر عميقة تعكس ثقافات متنوعة نتيجة اختلاط الثقافات.
  • المؤاخذات اللغوية: اتسم الشعر الاجتماعي بوجود بعض المخالفات اللغوية سواء في القواعد أو المعاني.
  • تضمين الأمثال: قام الشعراء بإدخال أمثال مألوفة بين الناس في قصائدهم، مما ساهم في تسهيل الفهم وقرابة القلوب.
  • أسلوب السخرية: ظهر السخرية كأداة نقدية في الشعر الاجتماعي، حيث استخدمت للتعبير الفكاهي عن القضايا الاجتماعية التي كانت تزعج الناس.

نماذج من الشعر الاجتماعي

يوجد العديد من الأمثلة الشعرية على الشعر الاجتماعي في العصر العباسي الثاني، ومن أبرز الشعراء في هذا السياق الشاعر أبو الشمقمق، حيث يُظهر بعض قصائده ما يلي:

برزت من المنازل والقباب

فلم يعسر على أحد حجابي

فمنزلي الفضاء وسقف بيتي

سماء الله أو قطع السحابِ

فأنت إذا أردت دخلت بيتي

عليَّ مسلّماً من غير بابِ

لأني لم أجد مصراع باب

يكون من السحابِ إلى التراب

كما يقول:

ما كنت أحسب أن الخبز فاكهةٌ

حتى نزلت على أوفى ابن منصورِ

يبِس اليدين فما يستطيع بسطهما

كأنَّ كفيهِ شُدَّا بالمساميرِ

عهدي به آنفاً في مربط لهم

يكسُّ الروثَ عن نقر العصافيرِ

Related Posts

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *