الحب العذري
يتميز الحب العذري بأنه نوع من الحب العفيف، حيث يتحدث الشاعر عن مشاعر الحب والعشق والمعاناة الناتجة عن الفراق والبعد عن المحبوبة. لا تهتم هذه النوعية من الحب بجمال الجسد بقدر ما تركز على جمال الروح وجاذبيتها. وفيما يلي مجموعة من أجمل القصائد التي تتناول موضوع الحب العذري:
يا خليلَيّ إن قالت بثينة ما له
يقول جميل بثينة:
يا خليلَيّ إن قالت بثينة ما له
أتى بنا بلا وعد، فقولا لها: له
أتى وهو مشغول بعظم الذي به
ومن بات طول الليل يرعى السُهى سها
بثينة تزي بغير الغزالة في الضحى
إذا برزت لم تبقِ يوماً بها بها
لها مقلة كحلاء نجلاء خلقاً
كأن أباها الظبي، أو أمها مها
دهتني بودٍ قاتلٍ وهو ملتفي
وكم قتلت بالود من ودها دها
ألا قد أرى إلا بثينة للقلب
يقول جميل بثينة:
ألا قد أرى إلا بثينة للقلب
بوادي بدّيٍ لا بحسمي ولا شغبِ
ولا ببراقٍ قد تيممت فعترف
لما أنت لاقٍ أو تنكب عن الركب
أفي كل يومٍ أنت محدث صبوةٍ
تموت لها بدلت غيرك من قلبِ
سأضمر وجدي في فؤادي وأكتُمُ
يقول عنترة بن شداد:
سأضمر وجدي في فؤادي وأكتُمُ
وأسهَرُ ليلي والعواذل نُوّمُ
وأطمعُ من دهري بما لا أنالهُ
وألزم منه ذل من ليس يرحمُ
وأرجو التداني منكِ يا ابنة مالكٍ
ودون التداني نار حرب تضرّمُ
فمني بطيفٍ من خيالكِ واسألي
إذا عاد عني كيف بات المُتيمُ
ولا تجزعي إن لجّ قومك في دمي
فما لي بعد الهجر لحمٌ ولا دمُ
ألم تسمعي نواح الحمائم في الدجى
فمن بعض أشجاني ونوحي تعلموا
ولم يبق لي يا عبلَ، شخصٌ معروفٌ
سوى كبِدٍ حرّى تذوب فأسقمُ
وتلك عظام باليات وأضلعٌ
على جلدها جيش الصدود مخيمُ
وإن عشت من بعد الفراق فما أنا
كما أَدعي أني بعبلَةَ مغرمُ
وإن نام جفني كان نومي علالةً
أقول لعَلّ الطيف يأتي يُسلّمُ
أحنُّ إلى تلك المنازل كلما
غدا طائرٌ في أيكةٍ يترنّمُ
بكيت من البين المشطِّ وإنني
صبورٌ على طعن القنا لو علمتم
عفت الديار وباقي الأطلال
يقول عنترة بن شداد:
عفت الديار وباقي الأطلال
ريح الصبا وتقلّب الأحوال
وعفا مغانيها وأخلق رسمها
ترداد وكف العارض الهطال
فلئن صرمتِ الحبل يا ابنة مالكٍ
وسمعتِ فيّ مقالة العذّال
فسلي لكيما تخبري بفواعلي
عند الوغى ومواقف الأهوال
والخيل تعثر بالقنا في جاحمٍ
تهفو به ويجولن كل مجال
وأنا المجرب في المواقف كلّها
من آل عَبسٍ منصبي وفعالي
منهم أبي شدّادُ أكرم والدٍ
والأم من حامٍ فهم أخوالي
وأنا المنية حين تشتجر القنا
والطعن مني سابق الآجال
ولرب قِرنٍ قد تركت مُجَدلاً
ولبانه كنواضح الجريالِ
تنتابُهُ طلسُ السِباع مُغادراً
في قفرةٍ متمزّق الأوصال
ولرب خيلٍ قد وزعت رعيِلها
بأقبّ لا ضغنٍ ولا مجفالِ
ومسربَلٍ حلق الحديد مدجّجٍ
كالليث بين عرينات الأشبال
غادرتُهُ للجنب غير موسّدٍ
متثنّي الأوصال عند مجالِ
لعوب بألباب الرجال كأنها
يقول عنترة بن شداد:
لعوب بألباب الرجال كأنها
إذا أسفرت بدرٌ بدا في المحاشد
شكَت سقماً كيما تُعاد وما بها
سوى فترتي العينين سُقمٌ لعائدِ
من البيضِ لا تلاقاكَ إلا مصونةً
وتمشي كغصن البان بين الولائدِ
كأن الثريا حين لاحَت عشيةً
على نحرها منظومةٌ في القلائدِ
منعّمة الأطراف خَوْدٌ كأنها
هلالٌ على غصنٍ من البان مائدِ
حوى كل حسنٍ في الكواعب شخصُها
فليس بها إلا عيوب الحواسدِ
لمن طللٌ بين الجدية والجبل
يقول امرؤ القيس:
لمن طللٌ بين الجدية والجبل
محلٌ قديم العهد طالت به الطيل
عفا غير مرتادٍ ومَرَّ كسرحَب
ومُنخفضٍ طام تنكّر واضمحل
وزالت صروف الدهر عنه فأصبحت
على غير سكانٍ ومن سكن ارتحل
تَنَطَّح بالأطلال منه مُجلجلٌ
أحَمّ إذا احممت سحابُهُ انسجل
برِيحٍ وبَرقٍ لاحَ بين سحائبٍ
ورعدٍ إذا ما هبّت هاتِفهُ هطل
فأنبت فيه من غشنض وغشنضٍ
ورونق رندٍ والصّلنددِ والأسل
وفيه القضا والبوم وابن حبَوكلِ
وطير القطاطي والبَلنددُ والحَجَل
وعنثولةً والخيثوان وبُرسَلٌ
وفرخٌ فريق والرِفَلّة والرفَل
وفيلٌ وأذيابٌ وابن خُوَيدرٍ
وغنسلةٌ فيها الخُفَيْعان قَد نزل
لمن طللٌ أبصرتُهُ فشجاني
يقول امرؤ القيس:
لمن طللٌ أبصَرتُهُ فشجاني
كخطِ زبورٍ في عسيب يمانِ
ديارٌ لهندٍ والرَّبابِ وفرتني
ليالينا بالنَّعفِ من بدَلانِ
ليالٍ يدعوني الهوى فأُجيبَهُ
وأعيُنُ من أهوى إليَّ رواني
فإن أُمسِ مكروباً فَيا رُبَّ بَهمَةٍ
كَشَفتُ إذَا ما اِسودَّ وجهُ جبانِ
وإن أُمسِ مكروباً فَيا رُبَّ قينةٍ
مُنَعّمةٍ أعملتُها بكِرانِ
لها مِزهَرٌ يعلو الخَميسَ بصوته
أجَشُّ إذا ما حركته اليدانِ
وإن أُمسِ مكروباً فَيا رُبَّ غارةٍ
شَهِدتُ عَلى أقبَّ رخوِ اللَّبانِ
عَلى رَبَذٍ يزدادُ عفواً إذا جَرى
مِسَحٍّ حثيثِ الرَّكضِ وَالزأَلانِ
ويَخدي على صُمٍ صِلابٍ مَلاطِسٍ
شديداتِ عَقدٍ لَيِّناتٍ مَتانِ
وَغيثٍ منَ الوَسميِّ حُوٍّ تِلاعُهُ
تَبَطّنتُهُ بشيظَمٍ صَلِتانِ
مِكَرٍّ مِفَرٍّ مُقبِلٍ مُدبِرٍ مَع
كَتَيسِ ظِباءِ الحُلَّبِ الغَذَوانِ
إذا ما جَنَبناهُ تأوَّدَ مَتنُهُ
كَعِرقِ الرُخامى اِهتَزَّ في الهَطَلانِ
تَمَتَّع مِنَ الدنيا فَإنَّكَ فاني
مِنَ النَشَواتِ وَالنِساءِ الحِسانِ