الصور الفنية في أواخر سورة البقرة
عند تأمل آيات سورة البقرة، نجد بعض الآيات التي قد تبدو غامضة المعنى، مما يدفعنا للتفكير في تفسيرها. وعندما نستكشفها، تظهر لنا جماليات البلاغة والبيان التي تسر القلوب. وفيما يلي توضيح لبعض الصور الفنية في أواخر سورة البقرة، وبالأخص الآيات من 200 إلى 275.
التصوير الفني في الآية 200
تجسد الجمالية البلاغية في قوله تعالى: {فَإِذَا قَضَيْتُم مَّنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا ۗ فَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ}.
في هذه الآية، يظهر نوع من التشبيه المرسل والمجمل، حيث يمثل المشبه: ذكر الله، والمشبه به: ذكر مفاخر الآباء. وتم حذف الأداة التي تعبر عن التشبيه، والتي تُحدد مدى أهمية ذكر الله مثلما هو الحال مع ذكر آبائهم.
التصوير الفني في الآية 222
تتجلى بلاغة التصوير في قوله تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ ۖ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ ۖ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىٰ يَطْهُرْنَ}.
في هذه الجملة، تم استخدام تشبيه مؤكد، حيث يشير الضمير “هو” إلى كلمة الحيض، بينما يمثل المشبه به: أذى. وقد تم حذف الأدوات ووجه الشبه، حيث استُبدل بقيمة التقدير للضرر الناتج عن الحيض. وهذا التشبيه يهدف إلى إيضاح صفة الحيض بطريقة تعكس مشاعر النساء خلال تلك الفترة.
التصوير الفني في الآية 223
تظهر جماليات البلاغة في قوله تعالى: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّىٰ شِئْتُمْ ۖ وَقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُمْ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُم مُّلَاقُوهُ ۗ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ}.
هذه الآية تتسم بتشبيه بليغ، حيث يتم مقارنة النساء بالحرث. وتم حذف الأداة ووجه الشبه، حيث تُظهر هذه الصورة حال النساء كحرث في المزارع. وهو تشبيه يعكس قيمة وعظمة دورهن في الحياة.
التصوير الفني في الآية 261
تظهر بلاغة التصوير في قوله تعالى: {مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّائَةُ حَبَّةٍ ۗ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ ۗ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ}.
هذا التشبيه يمثل نوعًا من التشبيه التمثيلي، حيث يقارن المثل الذي يشير إلى الإنفاق في سبيل الله بحبة أنبتت سبع سنابل. وهذا التشبيه يبرز الفائدة العظيمة التي يمكن أن تنتج عن الأعمال الخيرية.
التصوير الفني في الآية 275
تتجلى جمالية التصوير في قوله تعالى: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا}.
هذا النوع من التشبيه يعد تمثيليًا وبعيدًا، حيث يشبه آكلي الربا بالشخص الذي يتخبطه الشيطان. ويعكس هذا التشبيه كيف أن حالهم يوم القيامة سيكون كحال المصروعين، مما يشير إلى الجزاء الذي ينالونه على أفعالهم.
الصورة الفنية في القرآن الكريم
إن الصور الفنية في القرآن تتناول الجوهر الإنساني بكل تنوعاته، بما فيها العقل والعاطفة. وقد قُسمت الصور الفنية إلى نوعين رئيسين:
- الصورة المفردة
تشمل الصور البلاغية مثل التشبيه والاستعارة والكناية والمجاز المرسل، وهذه هي الأنواع التي تناولها القدماء عند دراسة الصور البلاغية.
- الصورة السياقية
تمتاز باتساعها وعمقها مقارنة بالصورة المفردة، إذ تشمل المشهد بشكل كامل. وهذا يسهل فهم الدور الديني الذي تمثله، حيث تنمو الصورة المفردة وتتكامل ضمن هذا السياق لتشكل صورة مشهدية أكثر غنى.