العالم فيثاغورس: حياته وأعماله وتأثيره على الرياضيات

العالم فيثاغورس

يُعتبر فيثاغورس فيلسوفًا وعالم رياضيات يوناني بارز، حيث أسس الأخوية الفيثاغورية، التي تركت أثرًا عميقًا في مفاهيم وأفكار كل من أفلاطون وأرسطو، على الرغم من تجذرها في المعتقدات الدينية. لقد ساهم فيثاغورس في صياغة مبادئ علم الرياضيات (بالإنجليزية: mathematics) وعلم الفلسفة المنطقية الغربية (بالإنجليزية: Western rational philosophy). إضافة إلى ذلك، لعب دورًا محوريًا في تقدم علم الرياضيات، لكن لا توجد حاليًا مؤلفات عند فيثاغورس عكس العديد من العلماء اليونانيين الذين جاءوا بعده ودوّنوا اكتشافاتهم.

يُعتبر فيثاغورس شخصية غامضة إلى حد ما، حيث اعتمد أسلوب التشفير في قيادة الأخوية التي أنشأها، مما جعل منها مزيجًا مثيرًا بين الدين والعلم. ومن المعروف أنه عُرف بمساهماته في تطوير علم الفلك والموسيقى، كما أنه نسب إليه بعض التعريفات المهمة؛ مثل كلمة “فلسفة” التي فسّرها بمعنى حب الحكمة، وكلمة “رياضيات” التي عرّفها على أنها الأنظمة التي يمكن الاستفادة منها.

حياة فيثاغورس

طفولته وعائلته

وُلد فيثاغورس في جزيرة ساموس، الواقعة قبالة ساحل آسيا الصغرى، المعروفة اليوم بتركيا، في عام 569 قبل الميلاد. المعلومات حول حياته قليلة نسبيًا، ولكن تشير الأدلة إلى أنه تلقى تعليمًا جيدًا، شمل تعلم القراءة والعزف على القيثارة.

كان والده، منيسارخوس، تاجراً من مدينة صور، فيما كانت والدته، فيثاي، تنتمي إلى جزيرة ساموس. أعيد لوالده جواز السفر الساموسي تقديرًا له على توريده الذرة إلى الجزيرة أثناء فترات المجاعة. عاش فيثاغورس طفولته في ساموس، ولكنه رافق والده في رحلاته، حيث زار عدة مدن بما في ذلك إيطاليا. وعاد لاحقاً إلى صور حيث تلقى تعليمه على يد الكلدانيين وبعض المثقفين السوريين.

أساتذة فيثاغورس

درس فيثاغورس على يد مجموعة من الفلاسفة، وكان التأثير الأكبر له من قبل ثلاثة منهم؛ وهم فيريسيديس (Pherekydes) وطاليس (Thales) وتلميذه أناكسيمندر (Anaximander). زار فيثاغورس طاليس بين عُمر الثامنة عشر والعشرين، حيث أثر فيه على الرغم من قلة ما تعلّمه منه. ونصحه بالذهاب إلى مصر. كما تتلمذ فيثاغورس على يد أناكسيمندر، الذي كان مهتمًا بعلم الهندسة والكونيات، والتي عبرت محاضراته في ميليتوس عن العديد من المبادئ التي أثرت في أفكار فيثاغورس.

رحلات فيثاغورس

وُلد فيثاغورس في ساموس خلال حكم بوليكراتس، ولكنه كان معارضًا لهذه الحكومة، فانتقل إلى مدينة كروتون في جنوب إيطاليا، التي كانت تتميز بازدهار التجارة والمساواة بين الرجال والنساء. وكانت هذه البيئة مثالية لتطوير نظرياته الرئيسة. أنشأ فيثاغورس مجتمعًا من تلاميذه أدى دورًا كبيرًا في ذلك الوقت.

استجابةً لنصيحة طاليس، انتقل فيثاغورس إلى مصر في سن 22 عامًا، حيث قضى نحو 22 عامًا في دراسة المبادئ الرياضية والمعتقدات الدينية. أثناء الغزو الفارسي لمصر، أسر فيثاغورس وجُلب إلى بابل، حيث قضى حوالي 12 عامًا، تعلم خلالها الكثير عن الرياضيات والمعتقدات الشرقية. أُطلق سراحه بعد 56 عامًا تقريبًا وعاد إلى ساموس، حيث بدأ بتعليم فلسفته وأفكاره في الرياضيات والتصوف الذي اتقنه في مصر وبابل. بعد عامين، انتقل إلى عدة مدن، بما في ذلك كروتون، حيث أسس مجتمعًا خاصًا بالشباب المثقفين.

الأخوية الفيثاغورية

أسس فيثاغورس أخوية أطلق عليها لقب الفيثاغوريين (Pythagoreans)، ووفقًا لشعارهم “الكل هو رقم”، اعتبروا أن كل شيء في الكون يخضع لقوانين الأرقام الصحيحة. سعى فيثاغورس إلى تنظيم موضوعات العلوم والدين والفلسفة وفق قواعد الأرقام، مما ساهم في تعزيز وتطوير الرياضيات اليونانية، كما وضع سياسات سلوك صارمة لأعضاء جماعته.

إنجازات فيثاغورس

في الرياضيات

تبقى النظريات الرياضية المنسوبة إلى فيثاغورس عديدة، وأشهرها نظرية فيثاغورس (بالإنجليزية: The Pythagorean theorem). على الرغم من شهرتها، لم يكن فيثاغورس أول من اكتشفها، حيث وضع العالم الهندي بودهايانا (Baudhāyana) أقدم صيغة لها عام 800 قبل الميلاد. كما عرفها المصريون والبابليون، لكن فيثاغورس برهنها وأثبت صحتها. عكف على دراسة الأرقام الزوجية والفردية والمثلثات والنسب لإثبات نظريته. تنص نظرية فيثاغورس على أن مربع طول الوتر، وهو الضلع المقابل للزاوية القائمة، يساوي مجموع مربعي الضلعين الآخرين. تتجلى النظرية في المعادلة الأساسية:
C² = A² + B²

أسهمت جماعة فيثاغورس في تطوير الرياضيات من خلال وضع قواعد واضحة. كما وضع فيثاغورس قوانين صارمة في علم الهندسة، مُعتبرًا إياها دلالات منطقية لعدد من المُسلّمات والبديهيات. تُعتبر مبرهنة الخط المستقيم واحدة منها، وهي تشير إلى أن أقصر مسافة بين نقطتين هي الخط المستقيم الموصل بينهما. كما استنتج عددًا من النظريات المتعلقة بالخطوط والنقاط والزوايا والمنحنيات.

في علم الفلك

سعى فيثاغورس إلى تعزيز علم الفلك، حيث أضاف أفكارًا حيوية على المبادئ العلمية للقدامى. كان من بين أبرز معتقداته أن شكل الأرض كروي، وأنها تدور حول الشمس مع مجموعة من الكواكب. رأى فيثاغورس الرقم عشرة كرقم سحري، وربطه بوجود عشرة كواكب، كما استنبط فكرة ميل مدار القمر باتجاه خط الاستواء. يُعتبر فيثاغورس أيضًا واحدًا من أوائل العلماء الذين اعتبروا كوكب الزهرة نجمي الصباح والمساء.

في الموسيقى

استكشف فيثاغورس مجال الموسيقى، وفهم أن الأنغام المتناسقة تنتج عن اهتزاز الأوتار، حين تكون نسب أطوالها أعدادًا صحيحة. وردت بعض المصادر أنه لاحظ أصواتًا متناغمة تنبعث من صكوك حدادين، وقد دفعه هذا لتطوير قاعدة علمية حول هذا التناغم. بعد عودته، اكتشف أن للأصوات نسب طولية بسيطة، مما ساهم في توضيح كيفية ارتباط الكون بالأعداد الصحيحة.

وفاة فيثاغورس

تتعدد الروايات حول تاريخ ميلاد ووفاة فيثاغورس. وفقًا لبعض المراجع، عاش نحو 100 عام، حتى عام 480 قبل الميلاد، في حين قيل إنه عاش بين عامي 570 و490 قبل الميلاد. تعرضت الأخوية التي أسسها فيثاغورس في كروتون للاضطهاد في تقريبًا عام 508 قبل الميلاد، مما اضطره للهروب إلى مدينة ميتابونتوم (Metapontum). زعمت بعض الروايات أنه انتحر، بينما ادعى آخرون أنه عاد إلى كروتون بعد فترة قصيرة، حيث استمرت الأخوية لأعوام عديدة بعد رحيله.

Related Posts

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *