الثورة العلمية في العصر الحديث
شهدت أوروبا في القرنين السادس عشر والسابع عشر تحولًا جذريًا في المفاهيم العلمية، حيث تم تطوير رؤية جديدة للطبيعة تُعتبر آلة تُعنى بمصالح الإنسان، مما أدى إلى تراجع النظرية اليونانية القديمة التي صمدت لأكثر من 2000 عام. ونتيجةً لهذه الثورة، نشأ تغيير في التفكير العلمي وظهرت طرق علمية تجريبية تهدف إلى إثبات النظريات وقبول معايير تفسير جديدة.
أفرزت الثورة العلمية تدفقًا كبيرًا للمعلومات التي وضعت ضغوطًا على المؤسسات والممارسات التقليدية. نتيجةً لذلك، بحث الفلاسفة الطبيعيون عن أساليب جديدة لتأكيد بياناتهم واكتشافاتهم والتعبير عن آرائهم النقدية.
أدى ذلك إلى ظهور الجمعيات العلمية بدءًا من إيطاليا في أوائل القرن السابع عشر، وصولاً إلى ذروتها مع تأسيس الجمعية الملكية في لندن عام 1662م وأكاديمية العلوم في باريس عام 1666م. ساهمت هذه الجمعيات في تمكين الفلاسفة الطبيعيين من الاجتماع لمناقشة ودراسة ونقد الاكتشافات الجديدة، ووضع الأسس والقوانين الملاحظة والتجريبية لتأكيد نتائجهم واكتشافاتهم.
نتيجةً للثورة العلمية في أوروبا، حدث صدام واضح مع الآراء الدينية السائدة في تلك الفترة، وكان من أبرز تلك النقاط مسألة موقع الأرض في الكون. لفترة طويلة، اعتقد المجتمع الديني أن الأرض هي مركز الكون وكل الكواكب تدور حولها. ومع بروز نظرية نيكولاس كوبرنيكوس التي تعزز مفهوم مركزية الشمس، تعرضت السلطة الدينية لتحديات جادة.
مجالات الثورة العلمية في العصر الحديث
أثرت الثورة العلمية على جميع جوانب الحياة والعلوم، وأسست لأسس العلم الحديث الذي بُني عليه التطور المذهل الذي شهدته البشرية اليوم. ومن بين الاكتشافات الأساسية في هذه الثورة ما يلي:
علم الفلك
يعتبر علم الفلك من أول العلوم التي فتحت أبواب الثورة العلمية في أوروبا، وكان كتاب نيكولاس كوبرنيكوس (باللاتينية: De Revolutionibus) علامة فارقة في انطلاق العلوم الحديثة عام 1543م، مما أطلق عليه الثورة الكوبرنيكية. في كتابه، تحدى كوبرنيكوس المفاهيم التقليدية للأرض من خلال إظهار مركزية الشمس ودوران الأرض وبقية الكواكب في مدارات دائرية حولها.
قاد نظام كوبرنيكوس علماء الفلك من بعده لتطوير نظريات واكتشافات جديدة، من أبرزهم تايكو براهي الذي وضع نظامًا كوزمولوجيًا يتماشى مع نظام كوبرنيكوس. وفي عام 1565م، نشر يوهانس كبلر كتابه الأول الذي أثبت فيه صحة نظرية مركزية الشمس ودوران الكواكب حولها.
كما أسهم جاليليو في تطوير وسائل الرصد من خلال تصميمه التليسكوب الخاص به، مما أتاح له إجراء العديد من الملاحظات الفلكية والاكتشافات التي كانت لها تأثيرات كبيرة في علم الفلك الحديث.
علم الرياضيات والفيزياء
بدأ تطور هذا المجال من خلال اعتماد العلماء في ذلك العهد على القياس الكمي في تحديد الكميات الفيزيائية. وكان غاليليو من أبرز المدافعين عن هذا النهج لسهولة فهمه من قبل العقل البشري، مما سهل ربط الرياضيات بالفيزياء وفتح المجال لتفسير الظواهر الطبيعية.
كانت من أبرز الاكتشافات فيه معادلات إسحق نيوتن التي ساهمت في فهم الجاذبية الأرضية وقوانين الحركة والسرعة والتسارع، بالإضافة إلى القانون الذي وضعه كيبر حول التربيع العكسي الذي يصف الضوء والانكسار باستخدام المرايا المنحنية والمسطحة.
في عام 1675م، أجرى الدكتور ويليام جيلبرت أبحاثًا في مجال الكهرباء الدقيقة، حيث اختبر العلاقة بين الموصلية الكهربائية والرطوبة والحرارة، ويُعتبر من قبل البعض مؤسس علم الكهرباء. وحقق روبيرت هوك اكتشافات في التأثير الكهربائي في الفراغ ومبدأ التنافر والجاذبية الكهربائية.
تبع ذلك تمكين الباحثين من توليد الكهرباء باستخدام مولدات كهروستاتيكية، حتى تحقق براون في عام 1729م نقل الكهرباء عبر أسلاك معدنية.
العلوم الطبية
قدمت الثورة العلمية الكثير في مجال الطب، حيث انصب التركيز في بداياتها على التشريح ودراسة وظائف الجسم. وقد أشار الطبيب أندرياس فيزاليوس إلى أهمية فهم علم التشريح في تعزيز المعرفة بالأمراض البشرية. وبرز الطبيب الفرنسي أمبرواز باري في مجالات الجراحة والطب الشرعي خلال الفترة (1510-1550م)، بينما قدم وليام هارفي تحليلًا شاملاً لقلب الإنسان ونظام الدورة الدموية عام 1628م.
كما تجدر الإشارة إلى مساهمات الطبيب هيرمان بورهاف في مجال علم وظائف الأعضاء والطبيب بيير فوشارد في مجال طب الأسنان.