الأوزان والقوافي الشعرية المستحدثة في العصر العباسي الثاني

تحولات البحور الشعرية في العصر العباسي الثاني

تميز العصر العباسي الثاني بانتقال المولدون من استخدام البحور الشعرية التي وضعها الخليل بن أحمد الفراهيدي، والتي تم تقسيمها إلى خمسة عشر بحرًا. وقد شعر هؤلاء الشعراء بأنهم مقيدون بعدد محدود من البحور، مما أثر على قدرتهم على التعبير شعرًا. كما دفعهم الارتباط بالثقافات الأخرى التي وجدوا أنفسهم منغمسين فيها إلى التفكير في أساليب جديدة تعزز التنوع الموسيقي في أشعارهم. من الأوزان الشعرية المبتكرة التي ظهرت في تلك الفترة، نستعرض ما يلي:

البحر المستطيل

يُعتبر هذا البحر تحولاً حقيقياً للبحر الطويل الذي وضعه الخليل، ويُحدد وزنه بالشكل التالي: مفاعيلن فعولن مفاعيلن فعولن / مفاعيلن فعولن مفاعيلن فعولن. ومن أبرز الأمثلة عليه قول أحد الشعراء:

لقد هاج اشتياقي غرير الطرف أحور

أدير الصدغ منه على مسك وعنبر

البحر الممتد

يُعد البحر الممتد مقلوباً عن البحر المديد وفقاً لنظام الخليل، وتتوزع أجزاؤه كالآتي: فاعلن فاعلاتن فاعلن فاعلاتن / فاعلن فاعلاتن فاعلن فاعلاتن. ومن نماذج هذا البحر قولهم:

صاد قلبي غزال أحور ذو دلال

كلما زدت حبًا زاد مني نفورًا

البحر المتوافر

هذا البحر يمثل تحريفًا لبحر الرمل عند الخليل، وتقسم أجزاؤه كالتالي: فاعلاتن فاعلاتن فاعلن / فاعلاتن فاعلاتن فاعلن. وقد أبدع الشاعر مالك بن المرحل في هذا البحر، حيث قال:

ما وقوفك بالركائب في الطل

ما سؤالك عن حبيبك قد رحل

يا فؤادي ما أصابك بعدهم

أين صبرك يا فؤادي ما فعل

البحر المتئد

يمثل البحر المتئد شكلًا مقلوبًا من البحر المجتث وفقاً لنظام الخليل، وتوزع أجزاؤه كما يلي: فاعلاتن فاعلاتن مستفع لن / فاعلاتن فاعلاتن مستفع لن، ومن الشواهد على هذا البحر قول أحدهم:

كن لأخلاق التصابي مستمريا

ولأحوال الشباب مستحليا

البحر المنسرد

هذا البحر هو أيضًا مقلوب عن البحر المضارع، وتكون أجزاؤه كالتالي: مفاعيلن مفاعيلن فاعلاتن / مفاعيلن مفاعيلن فاعلاتن.

البحر المطرد

يمثل البحر المطرد كذلك مقلوبًا عن البحر المضارع، ويتوزع كالتالي: فاعلاتن مفاعيلن مفاعيلن / فاعلاتن مفاعيلن مفاعيلن.

تُظهر الأوزان الشعرية التي تم ذكرها سابقًا عدم الخروج الكامل عن بحور الخليل بن أحمد، وإنما جدت تلك الأوزان بشكل جزئي، حيث انحدرت من أوزانه لتظهر ستة من البحور الشعرية المُجددة، وهي: المستطيل، الممتد، المتوافر، المتئد، المنسرد، وأخيرًا المطرد.

البحور الشعرية الجديدة في العصر العباسي الثاني

لم يقتصر التجديد في أوزان الشعر على ما سبق، بل طوّر الشعراء كذلك سبع بحور جديدة لم تنبثق من بحور الخليل، وهي: السلسلة، الدوبيت، القوما، الموشحات، الزجل، بالإضافة إلى فن الكان كان والمواليا. ملخص البحور الجديدة كالتالي:

السلسلة

وهي تتكون وفق الوزن: فعلن فعلاتن مفتعلن فعلاتان. ومن الشواهد على هذا البحر، قول الشاعر:

السحر بعينيك ما تحرك أو جال

إلا ورماني من الغرام بأوجال

الدوبيت

يعود هذا الوزن الفريد إلى الفرس، لكن العرب استوحوا منه، وهو يتألف من بيتين ويتضمن أربعة أشطر، كما يشتمل على أكثر من وزن، وأشهرها: فعلن متفاعلن فعولن فعلن. ومن نموذجها قول ابن الفارض:

روحي لك يا زائر في الليل فداء

يا مؤنس وحشتي إذا الليل هدأ

إن كان فراقنا مع الصبح بدا

لا أسفر بعد ذاك صبح أبدًا

القوما

يُعتبر هذا البحر من ابتكارات البغداديين في شهر رمضان، وقد تم تطويره على يد أبو نقطة للخليفة الناصر. يتميز بلغة عامية، ويكون وزنه: مستفعلن فعلان مستفعلن فعلان، ومن الشواهد عليه قول صفي الدين الحلي:

من كان يهوى البدور

ووصل بيض الخدور

الموشحات

تمتاز الموشحات بأنها صناعة أندلسية بامتياز، وتملك العديد من الأوزان، أشهرها: مستفعلن فاعلن فعيل مستفعلن/ فاعلن فعيل، ومنها أيضًا: فاعلاتن فاعلن مستفعلن فاعلن فاعلاتن فاعلن مستفعلن فاعلن. ومن الموشحات المعروفة لمؤلف ابن سناء الملك:

كللي يا سحب تيجان الربا بالحلي

واجعلي سوارك منعطف الجدول

الزجل

بدأ هذا الفن على يد الأندلسيين بعدما تم تطوير الموشحات، وأشهر من أبدع فيه هو ابن قزمان، ومن أمثلة ذلك قوله:

وعريش قام على دكان

بحال رواق

وأسد ابتلع ثعبان

في غلظ ساق

الكان كان

هذا النوع من الفن نشأ في بغداد، ويتعلق بتأليف الحكايات. تتميز قوافيه بأنها مردوفة، حيث تكون كل من الأخيرة والساكنة قبلها موضوعة في حالة سكون.

الموالي

ظهر هذا الفن بعد مراثي لجارية من بني برمك، حيث كانت تُنادي “يا مواليا” لتجنب فضح أمرها. يعتبر هذا الوزن من الفنون التي لا تلتزم بالقواعد التقليدية للغة العربية، ويجري تصنيفه ضمن البحر البسيط، على الرغم من تمرده عن بعض ضرباته.

القوافي في شعر المولدين

لم يكتفِ المولدون بتغيير الأوزان الشعرية التقليدية، بل انتقلوا أيضًا إلى إحداث تغييرات على القوافي، حيث أدخلوا ابتكارات جديدة مثل المزدوج، وهو ما يتمثل بصياغة الشاعر لبيتين من مشطور أي بحر، مع وجود قافية واحدة، ثم تغيير القافية في الأبيات التالية. كان الدافع وراء ذلك نظم الأمثال والقصص بهدف التيسير في الحفظ.

كما انبثق نمط آخر يُعرف بالمسمط في القوافي، حيث يعتمد على إكمال بيت شعري مصرح ثم كتابة أربعة أشطر قواعد بأوزان متنوعة، مع تكرار جزء واحد فقط من بداية القصيدة حتى انتهاء القصيدة بالكامل. وأيضًا، تحدث الشعراء عن “المخمس” الذي يُعنى بالخروج بخمسة أقسام يتشابه الوزن فيها.

Related Posts

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *