تطور المدرسة الطبيعية في الأدب العربي

المدرسة الطبيعية المتأخرة

تمثل المدرسة الطبيعية المتأخرة تيارًا فلسفيًا يتشكل من مجموعة من الفلاسفة اليونانيين الذين تناولوا في أبحاثهم مسألة أصل الكون وأصل الأشياء. يُطلق عليهم لقب “الطبيعيين” لأنهم اعتمدوا في دراساتهم على البحث التجريبي والمادي، بدلاً من الاعتماد على الميتافيزيقا لاستكشاف السبب الرئيسي للوجود. ويعرف معظم هؤلاء الفلاسفة بإنجازاتهم العلمية، لذا تكمن أهمية دراستهم في استكمال الأسس الفلسفية التي وضعها طالس وفلاسفة آخرون.

يشتهر هؤلاء الفلاسفة في المراجع الأكاديمية التاريخية بفلاسفة الطبيعة المتأخرة، ويمتازون بحداثتهم مقارنة بمؤسسي المدرسة الطبيعية. لا شك أنهم تأثروا بمختلف الفلسفات السابقة، سواء كانت طبيعية أو غير ذلك، مثل الفلسفة الفيثاغورية.

الرواد في تيار الفلسفة الطبيعية المتأخرة

توجد عدة شخصيات بارزة في هذا التيار، ومنها:

أنبادوقليس

وُلد أنبادوقليس في إغريغنتا، واحدة من المدن الشهيرة في صقلية. منذ صغره، أبدى اهتمامًا ملحوظًا بالفلسفة، بالإضافة إلى دراسته للشعر والطب والخطابة. تجدر الإشارة إلى أن أرسطو وصفه بأنه “مؤسس علم البيان”. تأثر أنبادوقليس بفكر فيثاغورس، وقد كانت له توجهات دينية قوية. وبدلاً من محاولة تفسير الوجود بناءً على عنصر أولي واحد، قدم أنبادوقليس نظرية تعتمد على وجود أربعة عناصر: الماء، الهواء، النار، والتراب. وكان بإضافة عنصر التراب قفزة نوعية في الفلسفة الطبيعية، بالرغم من الاعتقاد السائد آنذاك بأنه ليس عنصرًا بسيطًا.

اعتبر أنبادوقليس أن هذه العناصر الأربعة متساوية في النسب، ولا يوجد ترتيب هرمي بينها. كل عنصر يتمتع بخصائص معينة، فما يميز النار هو الحرارة، في حين أن الماء يحمل خاصية الرطوبة، والتراب يمتاز باليبوسة، وأخيرًا الهواء يتميز بالجفاف. يمكن أن تتجمع هذه العناصر لتكون مركبات جديدة أو تتفكك بفعل خاصيتي المحبة والكراهية.

ديموقريطس

ديموقريطس هو فيلسوف يوناني نشأ في مدينة أبديرا، وهي مدينة أسستها القبائل الأيونية. كان يعرف بتجواله الواسع، حيث قيل إنه لم يسافر أحد في زمنه مثلما فعل. اهتم بالرياضيات والهندسة، وأسس مدرسة خاصة به. تأثر بدوره بالفيلسوف لوقيبوس، وكان له تأثير كبير في فلسفة أرسطو. على الرغم من أن المعلومات عن أعماله ضئيلة، إلا أن له مساهمات مهمة. حاول ديموقريطس التوازن بين أفكار المدرسة الإيلية والتجارب العلمية، مقتنعًا بأن الوجود مملوء ولا يوجد فراغ، معتبرًا أن أصل الأشياء هو الذرات، ومن هنا جاء اسمه المتعلقة بالنظرية الذرية.

وصف ديموقريطس الحركة بأنها تعصف بالجوهر، وأن الأشياء ترتبط بمواقعها بناءً على الثقل؛ الأخف يرتفع، بينما الأثقل ينزل. مثال على ذلك هو الهواء الذي يرتفع والتراب الذي ينزل. كما اعتقد ديموقريطس أن النفس لها طبيعة مادية، وهي تتكون من جواهر صغيرة وسريعة الحركة، مما يجعل النفس مبدأ الحركة في الكائنات الحية. اعتبر أن النفس جسم ناري يتجدد من خلال تفاعلها مع الهواء، الذي يدفعها للتغلغل في الجسم.

أنكساغورس

وُلد أنكساغورس في منطقة قريبة من مدينة إزمير لعائلة نبيلة. كان يعتبر من النخبة المتعلمة وانتقل إلى أثينا في سن الأربعين. أبدى اهتمامًا بالعلوم الطبيعية والإنسانية. أثبت أنكساغورس أن الأشياء قد تُظهر طبيعة مختلفة عما تبدو عليه، وقدم رأيًا حول تقسيم الأشياء إلى ذرات، مؤكدًا أن تقسيم الأجزاء لا يعني أنها تفقد طبيعة الكل.

وعليه، اعتبر أنه لا يمكن إرجاع الأشياء إلى عنصر أولي واحد، بل إنها ترجع لطبيعة الشيء نفسه. استند أيضًا إلى الفكرة القائلة بأن “لا شيء يأتي من العدم”، وهو مبدأ فلسفي يوناني، وأكد أن خصائص الأشياء أزلية، لكنها ليست بحركة ذاتية، مما يتطلب وجود محرك خارجي.

Related Posts

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *