تأثير العلاقات الإنسانية في الإسلام على المجتمع والثقافة

العلاقة الإنسانية وفق المنظور الإسلامي

عندما أتى الإسلام، أوجد رابطة جديدة بين الأفراد تستند إلى أساس العقيدة، وهو ما لم يكن معروفًا لدى العرب في السابق، حيث كانت حياتهم مُبنية على العصبية القبلية التي كانت تُعتبر مركز العلاقات. تشكّل هذه الرابطة الدينية: “رابطة ينشئها الإسلام بين أفراده نتيجة إيمانهم به، حيث تتأسَّس على الولاء القَلبي للمسلمين ومحبة الخير لهم، بالإضافة إلى الولاء العملي من خلال تقديم الخير لهم.”

موقف الإسلام من العلاقات الإنسانية

تعتبر رعاية حقوق الآخرين وتقديم الخير لهم من أبرز التعاليم التي دعا إليها الإسلام. وعندما أراد جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه توضيح معالم الدعوة الإسلامية أمام النجاشي، أشار إلى ثلاث قواعد تُجسِّد جوهر الدين الجديد، وهي: التوحيد، ومكارم الأخلاق، ورعاية حقوق الأقارب. من هنا، يتضح أن الاهتمام بالعلاقات الإنسانية، المتمثل في أخلاق الفرد وأداء حقوق الآخرين، يُعدّ من أهم سمات الإسلام.

يتضمن القرآن الكريم والسنة النبوية العديد من الآيات والأحاديث التي تُسلط الضوء على العلاقات الإنسانية، منها:

  • من الشرف للإنسان أن كرّمه الله تعالى، وفضّله على سائر المخلوقات، وجعل كل ما في الكون في خدمته، كما قال تعالى: (وَلَقَد كَرَّمنا بَني آدَمَ وَحَمَلناهُم فِي البَرِّ وَالبَحرِ وَرَزَقناهُم مِنَ الطَّيِّباتِ وَفَضَّلناهُم عَلى كَثيرٍ مِمَّن خَلَقنا تَفضيلًا).
  • قال تعالى: (اللَّـهُ الَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ* وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِّنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ). وقد تكررت النصوص الشرعية في القرآن التي تأمر بحسن رعاية حقوق الآخرين، سواء كانوا من الأقارب أو الجيران أو الأصدقاء، وغيرها من العلاقات الإنسانية التي يقيمها المسلم في حياته.
  • وقد ربط القرآن بين بر الوالدين والتوحيد، الذي يمثل أساس الدين، مُؤكدًا على أهمية العلاقة بين الإنسان ووالديه، حيث قال تعالى: (وَقَضى رَبُّكَ أَلّا تَعبُدوا إِلّا إِيّاهُ وَبِالوالِدَينِ إِحسانًا إِمّا يَبلُغَنَّ عِندَكَ الكِبَرَ أَحَدُهُما أَو كِلاهُما فَلا تَقُل لَهُما أُفٍّ وَلا تَنهَرهُما وَقُل لَهُما قَولًا كَريمًا* وَاخفِض لَهُما جَناحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحمَةِ وَقُل رَبِّ ارحَمهُما كَما رَبَّياني صَغيرًا).
  • توجد العديد من الأحاديث النبوية التي تبرز أهمية احترام المسلم لعلاقاته بالآخرين وأداء حقوقهم، وربطت ذلك بالإيمان لتعزيز مكانتها، مثل قول النبي صلى الله عليه وسلم حول حقوق الجيران والضيوف: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذ جاره، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت).

أهمية العلاقة الدينية في العلاقات الإنسانية

إن الرابطة الدينية في الإسلام ليست فقط أحد أشكال العلاقات الإنسانية؛ بل تُعتبر الأساس الذي يُحتكم إليه في كافة العلاقات الأخرى. إذ أخذ الإسلام بعين الاعتبار الحاجة الطبيعية للإنسان، ودعاه للحفاظ على علاقاته الإنسانية بشرط ألا تتعارض مع العلاقة الأساسية التي تمثل رابطة الإسلام.

ويرى الإسلام أن هذه العلاقات تُعزز من الوحدة في المجتمع الإسلامي، مما يربط الفرد بفئات المجتمع ويقوي انتماءه له. وإذا تحولت هذه العلاقات من عامل قوة إلى عامل ضعف وانقسام، يتحقق ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم: (دعوها فإنها منتنة).

Related Posts

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *