الراعي النميري
يُعتبر الراعي النميري أحد الألقاب الخاصة بالشاعر عبيد بن حصين، الذي يُعد من أبرز شعراء العصر الأموي، إلى جانب كل من جرير والفرزدق والأخطل. وقد أُطلق عليه لقب “الراعي” نظرًا لتميزه في وصف الإبل وقطعانها في قصائده. ويُعرف أيضًا بلقب “أبو جندل” نسبةً إلى ابنه الأكبر، كما كان الراعي قائدًا في قبيلة بني نمير.
موضوعاته الفنية
تتميز موضوعات الراعي النميري الشعرية بتنوعها وغناها، وتمثلت في الأبعاد التالية:
الوصف
برز الراعي النميري في فن الوصف، حيث عُرف بلقب راعي الإبل لوصفه الدقيق لها. إذ يقول في أحد أبياته:
شم الكواهل جنحًا أعضادها
صهبًا تناسب شدقمًا وجديلا
بنيت مرافقهن فوق مزلة
لا يستطيع بها القراد مقيلا
واستمر في استعراض صفات الإبل، التي تُعتبر عمود الحياة في الصحراء، مثل:
- النُجُبَة والأصالة، كما في قوله:
نجائب لا يلقحن إلا يعارةً
عراضا ولا يشربن إلا غواليا
- العلو والقوة وجمال الملمس.
- الرعي والسمنة، حيث وصف ناقته بقوله:
وذات إثارةٍ تركت عليه
نباتًا في أكمته قفارا
- الهدوء والنظام عند البروك والقيام وحسن الطباع، إذ قال:
ولا تعجل المرء المورو
وهي بركبته أبصر
وهي إذا قام في غرزها
كمثل السفينة أو أوقر
- الحلم والسماحة عند حلبها، وسرعتها عند الرحيل.
- إنها تجسد رمز الخير والفخامة، إذ تحدث عن طولها وكيفية عدوها بقوله:
من الغيد دفواء العظام كأنها
عقاب بصحراء السمينة كاسر
تحن من المغراء تحت أظلها
حصى أوقدته بالحزوم الهواجر
كما تناول الراعي النميري وصف الفرس، مشيرًا إلى أهميتها، حيث شهدت الوقائع وويلات الحروب، كما وصف الحمار الوحشي بدقة في مشهد بديع بقوله:
كأحقب قارح بذوات خيم
رأي ذعراً برابية فغارا
يقلب سمحجاً قوداء كانت
حليلته فشد بها عبارا
المدح
تميز شعر المدح عند الراعي النميري بعدة صفات، منها التزامه المقدمة الطللية في قصائده، واختيار معانيه بعناية، مما يجعل تصويراته فنية رفيعة المستوى. استخدم ألفاظًا قوية وصادقة، معتمداً على عناصر من الجدة والابتكار، وغالبًا ما كان يستلهم من النصوص الدينية والفلسفية. ويتجلى هذا في مدحه لعبد الله بن مروان بقوله:
إن الخلافة من ربي حباك بها
لم يصفها لك إلا الواحد الصمد
القابض الباسط الهادي لطاعته
في فتنة من الناس إذا أهواؤهم قدد
النسيب والغزل
اتسم أسلوب الراعي في شعر الغزل بالجزالة والرقة والسهولة، حيث لم تظهر فيه الشكوى والثورة، بل كانت تنبض بالرقة والعذوبة التي تدفع إلى الحب والغرام. وقد تجلت مشاعره العميقة وحساسيته في تصوير جماليات البيئة الصحراوية. ويظهر ذلك في قوله:
وما بيضة بات الظليم يحفها
بوعساء أعلى تربها قد تلبدا
بالين مساً من سعاد للأمس
وأحسن منها حين تبدو مجردا
الفخر والحماسة
تحدث الشاعر بفخر كبير عن نفسه وقومه ووقائعهم. واستلهم الراعي عناصر فخره وحماسته من الرماح والخيول السريعة والسيوف الهندوانية التي تتناثر بها أشلاء الأعداء. ولعب مُختَار ألفاظه ومجسِّداته الفنية دورًا محوريًا في إبراز شاعريته الفائقة. يُظهر ذلك بقوله:
يمسي ضجيع خريدة ومضاجعي
عضب رقيق الشفرتين حسام
والحرب حرفتنا وبئست حرفة
إلا لمن هو في الوغى مقدام