الصبر كما وُرد في القرآن الكريم

الصبر في القرآن الكريم

تم ذكر مفهوم الصبر في القرآن الكريم في تسعين موضعًا، كما أشار الإمام أحمد بن حنبل -رحمه الله-، ووردت مادة “صبر” في مائة وثلاثة مواضع، منها واحد وأربعون موضعًا بصيغة الاسم، مثل قوله -تعالى-: (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ). بينما جاءت في اثنين وستين موضعًا بصيغة الفعل، كما في قوله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا). وقد تكررت بصيغة الفعل الماضي المفرد تسعة عشر مرة، مثال ذلك قوله -تعالى-: (وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ). كما جاءت بصيغة جمع المذكر السالم في ثمانية عشر موضعًا، مثل قوله -تعالى-: (إِنَّ اللَّـهَ مَعَ الصَّابِرِينَ). وكذلك ذُكِرَت بصيغة المبالغة في أربعة مواضع، منها الآية الخامسة من سورة إبراهيم، والآية الواحدة والثلاثون من سورة لقمان، والآية التاسعة عشر من سورة سبأ، والآية الثالثة والثلاثون من سورة الشورى، مثل قوله -تعالى- في سورة لقمان: (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ).

أَفرد القرآن مفهوم الصبر بما لا يقل عن ستة عشر نوعًا، يُمكن تلخيصها كما يلي:

  • النوع الأول: الأمر بالصبر، مثل قوله -تعالى-: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ).
  • النوع الثاني: النهي عن تخليه، كما في قوله -تعالى-: (فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ)، حيث يُشير ذلك إلى ترك الصبر.
  • النوع الثالث: الثناء على الصابرين، مثل قوله -تعالى-: (وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ).
  • النوع الرابع: محبة الله -تعالى- للصابرين، حيث قال -تعالى-: (وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ).
  • النوع الخامس: معية الله -تعالى- مع الصابرين، حيث قال -تعالى-: (وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ).
  • النوع السادس: أن الصبر خير لأهله، كما ورد في قوله -تعالى-: (وَلَئِنْ صَبَرْتُم لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ).
  • النوع السابع: الجزاء الحسن من الله للصابرين، كما في قوله -تعالى-: (وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ).
  • النوع الثامن: الجزاء يوم القيامة دون حساب، كما قال -تعالى-: (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ).
  • النوع التاسع: بشرى للصابرين، كما ورد: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ).
  • النوع العاشر: النصرة لله للصابرين، حيث قال -عزّ وجلّ-: (بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ).
  • النوع الحادي عشر: أهل الصبر هم أصحاب العزيمة، كما ورد في قوله -تعالى-: (وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ).
  • النوع الثاني عشر: الصابرون يحققون الأعمال الصالحة، كما في قوله -تعالى-: (وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ).
  • النوع الثالث عشر: الصابرون يتعظون بالآيات والعبر، مثل قوله -تعالى-: (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ).
  • النوع الرابع عشر: الصبر يؤهل أهله للفوز بالجنة والنجاة، كما قال -تعالى-: (وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ).
  • النوع الخامس عشر: القيادة في الدين للصابرين، كما في قوله -تعالى-: (وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ).
  • النوع السادس عشر: ارتباط الصبر بالإيمان واليقين، حيث يُعتبر جزءًا أساسيًا من الحياة الدينية، فكما لا حياة للإنسان بلا رأس، لا إيمان له بلا صبر.

تجدر الإشارة إلى أن الصبر يعتبر من الأمور الواجبة باتفاق الأمة، كما ورد عن الإمام أحمد، لما له من دور كبير في الإيمان الذي ينقسم إلى نصفين: صبر وشكر.

معاني الصبر في القرآن

تتضمن كلمة “الصبر” في القرآن الكريم خمسة معاني، حيث يُعتبر المعنى الأكثر شهرة هو الكفّ عن الجزع وتحمل المصائب، يليه معنى الثبات، ثم الرضا، وبعد ذلك الصوم، وأخيرًا الجرأة. وفيما يلي توضيح هذه المعاني:

  • الصبر بمعنى حبس النفس عن المكاره، مثل قوله -تعالى-: (الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّـهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ).
  • الصبر بمعنى الجرأة، كما في قوله -تعالى-: (فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ)، أي ليس لهم صبر، ولكنهم أُجِراؤوا.
  • الصبر بمعنى الصوم، كما في قوله -تعالى-: (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ)، حيث يشير المفسرون إلى أن الصبر هنا يعني الصوم، ولهذا سمي رمضان بشهر الصبر.
  • الصبر بمعنى الرضا بقضاء الله -تعالى- والتسليم له، كما يوضح قوله -تعالى-: (وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ).
  • الصبر بمعنى الثبات، كما في قوله -تعالى-: (أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ).

كيفية الاستعانة بالصبر والصلاة

يقول الله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ)، مما يدل على ضرورة ذكره وشكره، والاستعانة بالصبر على المعاصي، حيث تُعتبر الصلاة عمود الدين. ومن خلال الجمع بين الذكر والشكر والاستعانة بالصبر والصلاة، يمكن للعبد تحقيق طاعة الله -تعالى- وأداء أوامره. الاستعانة بالصبر والصلاة تتضمن الصبر على أداء الفرائض، الابتعاد عن الجزع والمعاصي، والرغبة في المناجاة والدعاء.

إن الاستعانة بالصبر والصلاة تُثري القلب بالخضوع والخشية من الله -تعالى-، وتعزز قدرة العبد على التحمل في أوقات الشدائد. وقد خص الله -تعالى- هذين الأمرين بالذكر، لأن الصبر يتطلب جهدًا باطنيًا كبيرًا، بينما الصلاة تعبر عن الأفعال الظاهرة وقطع الاتصال بالدنيا والتوجه إلى الله -تعالى-. وقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يلجأ إلى الصلاة في أوقات الأزمات.

تعريف الصبر

في اللغة، يُعرف الصبر بأنه نقيض الجزع وحبس النفس في الأوقات الصعبة؛ حيث يتضمن حبس الإنسان لذاته عن الجزع، ولسانه عن الشكوى، وأفعاله عن ما يستنكر. يُعد الصبر من الأخلاق الحميدة التي تعين الفرد على الصمود في مواجهة التحديات، وتحسين سلوكياته. الصبر يظهر في عدد من آيات القرآن الكريم، مما يجعله موضوعًا مهمًا في الدراسات القرآنية، ولهذا المقال قدمنا تفاصيل عن مفهوم الصبر في القرآن، وأنواعه، ومعانيه، وأهمية استخدامه مع الصلاة.

Related Posts

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *