الدلالة على الخير وثمارها
الإمام مسلم -رحمه الله- يروي في صحيحه عن أبو مسعود عقبة بن عمرو -رضي الله عنه- أنه قال: (جَاءَ رَجُلٌ إلى النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ، فَقالَ: إنِّي أُبْدِعَ بي فَاحْمِلْنِي، فَقالَ: ما عِندِي، فَقامَ رَجُلٌ وقالَ: يا رَسولَ اللهِ، أَنَا أَدُلُّهُ علَى مَن يَحْمِلُهُ، فَقالَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ: مَن دَلَّ علَى خَيْرٍ فَلَهُ مِثْلُ أَجْرِ فَاعِلِهِ)، وقد جاء هذا الحديث ليؤكد أن أي عمل خيري أو مساعدة يقدمها المرء للآخرين يكون له أجرٌ كبير. حيث جاء رجلٌ إلى الرسول -صلى الله عليه وسلم- وكان قد انقطع به الطريق، وطلب منه شيئاً ليساعده، ولكنه لم يكن لديه ما يعين به، حيث أقترح عليه أحد الحضور أن يُرشد الرجل إلى شخص قادر على مساعدته. ومن خلال هذا الحديث يتبين أن الإرشاد إلى الخير يتضمن العديد من الأشكال، بما في ذلك الوعظ وتعليم الأمور الدينية وإرشاد الناس فيما بينهم.
الحديث يُبرز أهمية تشجيع الناس على الخير، وينقسم الإرشاد إلى نوعين: الأول هو الإرشاد المباشر، حيث يوجه شخص سؤالًا في موضوع ديني فيجيب عليه بصحيح ما يعرف. الثاني هو الإرشاد غير المباشر، عندما يسأل شخص عن شيء ديني ولا يملك الحاضرون الإجابة، فيمكن لأحدهم توجيهه إلى الأكثر معرفة. وكلا النوعين يُشجعان على الثواب مما يعكس أهمية القدوة من خلال اقتداء الناس بالفعل الخيري، وتأتي بهذا الشأن سيرة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كنموذج يحتذى به في هذا المجال.
وسائل التوجيه نحو الخير
تتعدد الوسائل المتبعة للدلالة على الخير، ومن أبرزها:
- الدعاء: من أبرز وسائل الدلالة على الخير هو الدعاء للناس بهداية الله ومغفرته، وهذا يتجلى في قول الرسول -صلى الله عليه وسلم- عندما وصف نبيًا بعد أن أُصيب بأذى بقوله: (اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِقَوْمِي؛ فإنَّهُمْ لا يَعْلَمُونَ)، وأيضًا في آيات القرآن التي تأمر بالدعاء لفتح الحق بين القوم.
- القول: وذلك عبر الكلمة الطيبة التي تُرشد إلى الخير من خلال الكتب والمواعظ والخطب والنصائح، كما يمكن أن يكون ذلك في مجالس العلم.
- القدوة: يتحتم أن نكون قدوة حسنة للآخرين من خلال الأعمال الصالحة، إذ يسعى الناس عادةً للاقتراب من سلوكيات من يحسن إليهم.
- النشر: يتم ذلك من خلال استخدام جميع الوسائل الممكنة لنشر كل ما يتعلق بالخيرات من كتب ومقالات ووسائل الإعلام المتعددة.
- المشاريع الخيرية: تشمل دعوة الناس للمشاركة في المشاريع الخيرية لمساعدة الأيتام والمحتاجين، وتعزيز قيم الإنفاق والصدقة.
- الإشارة: يمكن للدلالة على الخير أن تتم أيضًا عبر استخدام الإشارات المناسبة لجذب انتباه الآخرين.
- افتتاح المدارس: ليس فقط التعليمية بل أيضًا القرآنية، مما يسهم في تربية أجيال تهتم بأمر الخير.
أهمية الدلالة على الخير
تتمتع الدلالة على الخير بالعديد من الفضائل، ومن أهمها:
- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي يعد من أعظم صور الدلالة على الخير، والتي خصَّ بها الله -تعالى- أمة محمد -عليه السلام-، حيث قال: (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ…).
- تعزيز العلاقات الاجتماعية بين أبناء المجتمع، مما يحقق التعاون والمنافع المتبادلة.
- تصحيح المفاهيم الخاطئة عن الدين، لما يمتاز به الإرشاد من طابع تعليمي.
- الثواب العظيم الذي يناله من يدل على الخير، والذي يعادل أجر فاعله، كما روى جرير بن عبد الله -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (مَن سَنَّ في الإسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً…).