الحكمة وراء تعدد الزوجات في المجتمعات العربية

تعدد الزوجات

تعتبر مسألة تعدد الزوجات من القضايا الهامة في المجتمعات، وخاصة في المجتمعات الإسلامية. لقد كانت لهذه المسألة تأثيرات واضحة في الأديان الأخرى، مما دفع بعض المشككين في نبوة محمد – صلى الله عليه وسلم – لاستغلالها كحجة ضد موقفهم من رسالته. كما استخدمها أعداء الإسلام كنقطة ضعف في الدين. ومن هنا، حاول بعض المسلمين، بنية حسنة، توضيح موقف الإسلام من تعدد الزوجات، إلا أنهم وقعوا في بعض الأساليب غير الصحيحة، مثل القول بأن الأصل في الإسلام هو عدم التعدد أو أنه مسألة ثانوية. لهذا، يطرح السؤال: هل هناك حكمة وراء تعدد الزوجات في الإسلام؟ وما هو الأصل في الزواج؟ وما هي الفوائد المحتملة لهذا التعدد في المجتمعات والأمم بشكل عام؟

تعريف الزواج لغةً واصطلاحاً

الزواج أو النكاح من الناحية اللغوية

الزواج في اللغة هو مصدر الفعل زوَّجَ، فهو مزوِّج، والمفعول مزوَّج. يُقال زوَّج فلانًا امرأةً: أي جعله يتزوجها أو أنكحه إياها. قال تعالى: (وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ). كما تُستخدم كلمة زواج للإشارة إلى إبرام عقد شرعي يرتبط بشخص بامرأة، أي زوَّجه المأذون بعقد شرعي. النكاح أيضًا يُشير إلى العلاقات الزوجية، ويُستخدم بمعنى الاقتران.

الزواج من الناحية الاصطلاحية

للزواج أو النكاح تعريفات متعددة ضمن الفقه الإسلامي. فقد عُرِّف على أنه عقد يقتضي ملك المتعة عمدًا. وقد عرَّفه الشافعية بأنه عقد يبيح الوطء بعبارة معينة، بينما يُعرِّف المالكية الزواج بأنه عقد لمجرد متعة الاستمتاع بآدمية بدون التزام بقيمتها.

حكم تعدد الزوجات

أشار الفقهاء إلى أن الأصل في حكم تعدد الزوجات هو الجواز، ويستند ذلك إلى نصوص من القرآن الكريم، بما في ذلك قوله تعالى: (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَىٰ فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاءِ مَثْنَىٰ وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ ۖ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ۚ ذَٰلِكَ أَدْنَىٰ أَلَّا تَعُولُوا). كما تم ملاحظة توافق النبي – صلى الله عليه وسلم – وصحبه على هذه القاعدة، حيث يتأثر التعدد بالأحكام التكليفية الخمسة.

قد يكون التعدد ضروريًا في حالات مثل الرغبة في الإنجاب لمن لم ينجب من زوجته الأولى، أو عندما تكون الزوجة الأولى تعاني من مرض يجعل معاشرتها صعبة، مما يبرر الزواج من أخرى. في حالات كهذه، قد يُعتبر التعدد واجبًا للحفاظ على النفس بعيدًا عن المعاصي، ويمكن تلخيص الأسباب التي تؤدي إلى وجوب التعدد في النقاط التالية:

  • إذا كانت الزوجة الأولى تعاني من مرض يؤثر على القدرة على المعاشرة، قد يكون التعدد مطلوبًا لحماية الزوج من الاضطرار إلى الحرام.
  • كما أن عدم قدرة الزوجة الأولى على الإنجاب يُعتبر سببًا قويًا للزواج مرة أخرى، حيث إن الغريزة البشرية تدفع إلى التناسل، مما يجعل الحاجة للزواج ملحة.

يُستحب التعدد للذين يمتلكون القدرة المالية والبدنية لتحقيق العدل بين الزوجات، ويُنصح أيضًا به لأسباب شرعية مثل دعم مجتمعات المسلمين وتقليل نسبة العنوسة. في المقابل، يُحرم التعدد على من ليس لديه قدرة مالية أو يعاني من ضعفٍ جنسي يؤثر على تلبية احتياجات زوجه.

هل الأصل في الزواج التعدد؟

تعد مسألة التعدد موضوعًا محلاً للنقاش بين العلماء، سواء في الأصول أو الفقه أو اللغة. وقد اتخذ العلماء مواقف متباينة من هذه المسألة. ويُقسم العلماء إلى فريقين حول أصل تعدد الزوجات في الشريعة:

  • الفريق الأول: يرى أن الأصل في النكاح هو التعدد، مستندين إلى قوله تعالى: (مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ)، حيث يُظهر النص أن الأصل هو التعدد، وأن الإفراد هو الاستثناء في حالة الخوف من عدم العدل.
  • الفريق الثاني: يؤمن بأن الأصل هو الإفراد، وأن التعدد جائز فقط في ظروف استثنائية، مستشهدين بقوله تعالى: (وَلَن تَسْتَطِيعُوا أَن تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ)، مما يدل على صعوبة تحقيق العدل بين الزوجات.

حكمت تعدد الزوجات

لم يُشرع في الإسلام شيء إلا وكان فيه الخير للبشرية. لذلك، فإن لمشروعية تعدد الزوجات في الإسلام حكمًا وفوائد، تشمل:

  • زيادة عدد الشباب في الأمة الإسلامية: يُعزز الإسلام التناسل لزيادة فئة الشباب النشط، مما يقوي المجتمعات ويزيد من فعاليتها.
  • تقليل ظاهرة العنوسة: مع زيادة عدد النساء مقارنة بالرجال، يؤثر التعدد على تقليل حالات العنوسة، بشكل خاص عندما يتعرض الرجال لمخاطر الحياة.
  • حل المشاكل الأخلاقية: يمكن أن يساهم التعدد في التقليل من مشكلات مثل الزنا، حيث يوفر للرجال خيارات بديلة للحفاظ على الأخلاقيات.

Related Posts

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *