الخصائص الفنية للخطابة خلال العصر العباسي الثاني

الخصائص الفنية للخطابة في العصر العباسي الأول

شهد العصر العباسي الأول ازدهاراً ملحوظاً في فن الخطابة وتنوعت موضوعاته نتيجة للظروف الاجتماعية والسياسية التي سادت في تلك الفترة. على الرغم من تراجع الخطابة السياسية والحفلية، إلا أن الخطابة الدينية نالت شهرة كبيرة، حيث استغل العباسيون هذه الوسيلة لإبراز حقهم في الحكم خلال الثورة العباسية. وفيما يلي بعض من أبرز سماتها:

المقدمة

احتفظت الخطب خلال هذا العصر بهيكلها التقليدي، كما في العصور الماضية. كان الخطيب يستهل خطبته بمقدمة تجذب انتباه المستمعين وتساعد في إقناعهم بمضمون الخطبة، مستخدماً عبارات التحميد والتمجيد، وهو ما يضفي جمالاً على الخطبة ويحث السامعين على متابعة حديثه. ومع ذلك، كانت خطب الحرب والسياسة تفتقر عادةً لهذه العناصر لتحتم الحاجة للإيجاز.

فن الانتقال

بعد انتهاء المقدمة، ينتقل الخطيب بمهارة إلى موضوع خطبته، مستخدماً أسلوباً سلساً يجعله يشعر السامع بالراحة، مع الالتزام بتسلسل الأفكار. تميزت خطب هذا العصر بالمهارة في الانتقال من المقدمة إلى الموضوع الرئيسي، مما يعمق انتباه الجمهور ويدفعهم للتفكير في الجوهر، خاصة في الخطب الدينية.

التأثر بالقرآن الكريم

من الأمثلة على ذلك خطابة أبي العباس السفاح عند توليه الخلافة في الكوفة، حيث أشار إلى صلته بالرسول صلى الله عليه وسلم واستشهد بآية قرآنية تتعلق بأهل البيت، مثل قوله تعالى: (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا) – الأحزاب، آية 33.

الفصاحة

كان أبو جعفر المنصور يعدّ من أبلغ العباسيين في أسلوبه، وقد شهد عصره ثورة محمد بن عبد الله بن الحسن العلوي، حيث تنافس كل منهما على إثبات أحقيته بالخلافة مستندين إلى إرثهما من الرسول صلى الله عليه وسلم، مما جعلهما يقدمان خطبًا فصيحةً ترسخ مواقفهم وتقاوم الآخر.

براعة الخطابة

بالرغم من تراجع الخطابة السياسية والحفلية، إلا أن الخطابة الدينية وخطب الاستسقاء والتأبين انتشرت بشكل كبير، إلى جانب خُطب الحرب التي تعمل على تحفيز روح القتال لدى المقاتلين. وهكذا، نقّى العباسيون فن الخطابة وأظهروا إبداعاً جعل الناس يتواصلون بربهم ويزدادوا إيماناً بأن ما عند الله خير وأبقى.

الموسيقى والإيقاع الصوتي

استعمل خطباء هذا العصر أساليب فنية في صياغة خطبهم، حيث أولوا أهمية خاصة للإيقاع الموسيقي ليجذبوا انتباه السامعين ويتركوا أثراً في نفوسهم. اعتمدوا في صياغتهم على أسلوب السجع الذي يمثل نوعاً من التنغيم الموسيقي، حيث تتناغم فواصل الكلام مع المقابلات المستخدمة لتعزيز قوة النص وجماله، فضلاً عن استخدام التشبيه والاستعارة والكناية.

جزالة الأسلوب

تميز الأسلوب الخطابي في العصر العباسي الأول بالتوازن بين السهولة والجزالة، بعيداً عن الألفاظ الغريبة والمعقدة، مما مكنه من الوصول إلى جميع المستويات الفكرية. حرص الخطيب على وضوح التعبير ودقته لكي لا يشتت ذهن السامع أو يحول دون التواصل معه.

إبداع الخيال والصورة

يعتبر إبراز الخيال من الأدوات الفنية الفعالة لدى الخطيب، حيث يُعبر عن الأفكار بطريقة ميسرة وذات تأثير أكبر على المستمع. كما يستخدم الخطيب الصور المناسبة للموقف بشكل يتماشى مع سياق الخطبة، مما يجذب انتباه السامع ويترك أثره في ذهنه.

حسن التنسيق

تُعتبر القدرة على التنسيق الجيد بين الأفكار والانتقال بأسلوب سلس ومنظم من الأساليب المهمة في فن الخطابة. حيث تتصل الأفكار ببعضها مما يساعد السامع على التركيز والانتباه لما يقوله الخطيب، مما يعكس موهبة الخطيب وكفاءته في الكتابة.

الخاتمة

تعددت موضوعات الخطب التي وصلتنا من هذا العصر، حيث كان بعضها يُختتم بالاستشهاد بآية قرآنية، وقد ينهي خطبته بدعاء للناس والدولة العباسية. كما كان بعض الخطباء ينهي خطبتهم بالاستغفار أو تذكيرهم بتقوى الله، أو بإدراج أبيات شعرية تُعزز من نشاط السامع الذهني وتحفزه على الإصغاء.

Related Posts

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *