القيم الروحية والمادية في فترة ما قبل الإسلام

مصادر القيم الروحية في الجاهلية

تنشأ القيم الروحية بشكل رئيسي من الدين أو من مفاهيم يمكن اعتبارها دينية. وكان يعتنق العرب في عصر الجاهلية مظاهر متعددة من الوثنية، حيث آمن كثير منهم بقوى إلهية متباينة. فقد اعتبر بعضهم الأوثان وسطاء بين الله وبينهم، بينما اعتبر آخرون أن هذه القوى تُمثل في الكواكب أو مظاهر الطبيعة، وقد استخدموا رموزًا مثل الأحجار والأشجار للدلالة على معتقداتهم.

الوثنية في الجاهلية

انتشرت الوثنية بشكل كبير بين القبائل، حيث أصبح تصنيع الأصنام والعبادة لها ظاهرة رائجة. وكانت هناك أصنام تحظى بشعبية أكبر من غيرها، لكل قبيلة أصنامها الخاصة. وأبرز أصنام الجاهلية كان هُبَل، الذي كان على هيئة إنسان مصنوع من العقيق ويده اليسرى من الذهب، وقد عبدوها متمنين الفائدة والخوف من غضبها، حيث قدموا لها القرابين.

وكان من الشعائر الوثنية الاستقسام بالأزلام، حيث كان للصنم سبعة سهام كتب عليها ما يدل على قبول الأمر أو رفضه. استخدمها الناس لتوجيه قراراتهم، مثل الشك في نسب أبنائهم أو عند اتخاذ قرارات بشأن السفر أو الزواج.

ارتبطت هذه الأوثان بالعبادات؛ حيث تم بناء بيوت لها وكانوا يحجون إليها، وأنشأت جماعات خاصة من الحجاج الراغبين في الوصول إليها، وكان ذلك يعد شرفًا عظيمًا. ولم يقتصر الأمر على ذلك، بل ابتكروا طرقًا متعددة لتقديم القرابين، حيث كانوا يقدمون البحيرة والسائبة والوصيلة والحام، وهي أوصاف للأنعام، إذا أكملوا شروطها قدموها لآلهتهم. كما حددوا أشهرًا محددة للحج، اعتبروها أشهرًا حرمة، حيث حرّموا فيها سفك الدماء وقيام الحروب.

اليهودية والنصرانية

دخلت اليهودية إلى مجتمعات الجاهلية بعد خروجهم من فلسطين باتجاه الحجاز واليمن، بينما انتشرت النصرانية في بادئ الأمر بتشجيع من قيصر الروم الذي وسع نفوذه على أراضي الحجاز، وكان تجمعهم الأكبر في نجران. لاحقًا، جاء أبرهة الحبشي وعمّق نشر النصرانية، في حين كانت تعاليم اليهودية أقل انتشارًا. وقد ساهمت تعاليم النصرانية في إعادة إحياء مفاهيم الحنفية الإبراهيمية.

إيمان الجاهلية بالأرواح

تأمل الجاهليون في وجود الأرواح، حيث اعتقدوا بأن الأرواح الخيّرة مثل الملائكة هي بنات لله. وقد جعلوا تلك الأرواح شركاء لله في العبادة، بينما اعتقدوا بوجود أرواح شريرة مثل الشياطين، التي عبدوها وخافوا منها. كما اعتقدوا أن للكاهن اتصالاً مع الجن الذي يخبره بالغيب.

هذا الإيمان أسهم في نشوء الكهانة والعرافة. فالكهانة تتعلق بمعرفة الأمور المستقبلية، بينما تتعلق العرافة بمعرفة الأمور الماضية. كانت ممارساتهم تتضمن الربط بين الأحداث لتوقع ما سيحدث. من بين المؤثرين في هذا المجال كان الكهان مثل شق أنمار وسطيح بن مازن، والكاهنات مثل طريفة وزبراء، إلى جانب بعض العرافين المعروفين مثل رباح بن عجلة والأبلق الأسدي.

المثل العليا ومصادرها

تأثرت حياة الجاهليين بالعصبية القبلية، حيث كانوا يغضبون لغضب قبيلتهم ويرضون لرضاها، وكانت حياتهم مكرسة لهذا الأمر، يسعون إلى المحافظة على شرف قبيلتهم ورفع شأنها. وقد بالغوا في فهم معنى الشرف، حيث أحبوا الظهور والتميّز، وتنافسوا في تحقيق ذلك، حيث سعت كل قبيلة إلى أن تبرز بمكارم الأخلاق والشرف.

بينما أظهرت القيم مثل الكرم والشجاعة والصدق والمساعدة للأخرين، استحدثوا مفاهيم للمجتمع الراقي، وكان ذلك يؤدي إلى بعض الإسراف في الإنفاق، حيث اعتبروه علامة على العزة والشرف. وقد أدركوا مفهوم الإنسانية من خلال مشاعر الجوع وغربة السفر، وأشعلوا النيران ليلاً للهدوء في المسير.

الحياة المادية

تعتبر الشهادات الشعرية من أهم مصادر فهم الحياة المادية في العصر الجاهلي، حيث عكست الشعر الجاهلي مختلف جوانب الحياة المعنوية والمادية. وقد تجسدت مظاهر الحياة المادية بحقيقتها في الشعر الجاهلي، الذي عكس شظف العيش والخشونة التي عاشها الجاهليون.

Related Posts

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *