الرضا عن الله: مفهومة وأهميته في حياة المؤمن

الرضا عن الله عز وجل

الرضا في اللغة يُعتبر مصدر الفعل “رضيَ يرضى”، ويُعد ضدّ السخط والاعتراض. ينقسم الرضا شرعاً إلى نوعين: الأول هو رضا الله عز وجل عن عباده، والذي يتحقق باتباع العبد لشريعة الله تعالى من خلال الالتزام بأوامره والابتعاد عن نواهيه. أما النوع الثاني فهو رضا العبد عن الله عز وجل، ويظهر من خلال تقبله لقضاء الله تعالى وقدره.

يظهر رضا العبد عن الله تعالى عندما لا يجد في قلبه حرجاً من قبول ما يأتية من الله – سواء كانت أفراحاً أو ابتلاءات. بل يجد في نفسه الفرح والاطمئنان وترحيباً بكل ما يأتيه من الله، متيقناً بأن الله عز وجل لن يضيع عباده بل يختبرهم ليقوي إيمانهم ويثبت أقدامهم ويطهرهم.

قال تعالى: (رَضِيَ اللَّـهُ عَنهُم وَرَضوا عَنهُ وَأَعَدَّ لَهُم جَنّاتٍ تَجري تَحتَهَا الأَنهارُ خالِدينَ فيها أَبَدًا ذلِكَ الفَوزُ العَظيمُ). إن الرضا عن الله تعالى يُعتبر المرحلة التي تلي التوكل، حيث إن التوكل يتعلق بتفويض الأمور لله عز وجل، بينما يكون رضا العبد في قبول نتيجة هذا التفويض بغض النظر عن طبيعتها. إذا أعطاه الله تعالى عطيّة قبلها، وإن منع عنه شيئاً صبر واحتسب.

وللرضا عن الله تعالى بقلب العبد أهمية كبيرة، توازي أهمية الأعمال الجوارحية. لذا فلا ينبغي الاستهانة بالأعمال القلبية، فقيل إن الرضا هو ذروة سنام الإيمان من حيث الأهمية، مما يعني أن إيمان الفرد لا يكتمل إلا برضاه عن الله عز وجل.

كيفية الرضا عن الله عز وجل

يتحقق الرضا عن الله تعالى من خلال أمرين؛ الأول هو الرضا عن أقدار الله تعالى، والثاني هو الرضا عن شرع الله وحكمه. سنستعرض هذه الجوانب بمزيد من التفصيل فيما يلي:

الرضا عن أقدار الله تعالى المختلفة

يتجلى الرضا عن أقدار الله عز وجل في أمور عديدة، نذكر منها ما يلي:

  • إن الرضا بالقضاء واجب شرعاً، حيث جعله الله -عز وجل- شرطاً لتحقق الإيمان به، كما قال تعالى: (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا).
  • الإيمان بأن كل ما يحدث للإنسان من عند الله هو للخير، كما ثبت عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (عَجَبًا لأَمْرِ المُؤْمِنِ، إنَّ أمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وليسَ ذاكَ لأَحَدٍ إلَّا لِلْمُؤْمِنِ، إنْ أصابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ، فَكانَ خَيْرًا له، وإنْ أصابَتْهُ ضَرَّاءُ، صَبَرَ فَكانَ خَيْرًا له).
  • الرضا فرع عن الإيمان بربوبية الله -عز وجل-، حيث يروي العبّاس -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (ذاق طعم الإيمان من رضي بالله ربا، وبالإسلام دينا، وبمحمد رسولا). الربوبية تشير إلى اختصاص الله -عز وجل- بالثقة والاستغاثة والدعاء.
  • الدعاء للرضا بالقضاء. كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يدعو الله -عز وجل- بأن ينوله الرضا في القضاء، حيث كان من دعائه: (أسألُكَ كلمةَ الحقِّ في الرِّضا والغضَبِ وأسألُكَ القصدَ في الفقرِ والغنى وأسألُكَ نعيمًا لاَ ينفدُ وأسألُكَ قرَّةَ عينٍ لاَ تنقطعُ وأسألُكَ الرِّضاءَ بعدَ القضاءِ وأسألُكَ بَردَ العيشِ بعدَ الموتِ وأسألُكَ لذَّةَ النَّظرِ إلى وجْهكَ).
  • الرضا بالقضاء والقدر هو سمة الأنبياء -عليهم السلام-، فقد ابتلى الله -عز وجل- سيدنا إبراهيم -عليه السلام- بذبح ولده إسماعيل، فلم يكن منهما إلا القبول لقضاء الله والخضوع لأمره، حتى أفرج الله عنهما ببدل اسماعيل بكبش عظيم.
  • الرضا بالقضاء والقدر يرفع من منزلة العبد المسلم، حيث تعد المصائب التي يواجهها الإنسان بمثابة اختبارات يجب اجتيازها لنيل النعيم في الجنة لاحقاً.

الرضا عن شرع الله وحكمه عز وجل

يتضح الرضا عن شريعة الله -عز وجل- وأحكامه في جوانب عديدة، نعرض بعض منها فيما يلي:

  • الرضا بالله -عز وجل- ربّاً يوجب الرضا بأحكامه.
  • اتباع الأوامر وترك النواهي يُعتبر دليلاً على رضا المسلم عن الله عز وجل.
  • الرضا بالانقياد للشريعة يُعد من كمال إسلام الفرد.
  • الرضا باتباع شريعة الله -عز وجل- يعتبر باباً للانقياد لأمر الله تعالى.

آثار الرضا عن الله عز وجل

للرضا عن الله -عز وجل- آثار إيجابية عديدة، نذكر منها ما يلي:

  • الرضا عن الله -عز وجل- يُثمر رضا الله عنا.

حيث يرضى الله -سبحانه وتعالى- عن العبد الذي يرضى به ربّاً ويقبل بقضائه وأحكامه.

  • الذين يرضون عن الله -عز وجل- موعودون بالجنة.

فالرضا يعد أحد أسس العلاقة بين المسلم وربه ودينه، حيث يعد من أصعب المواقف التي يواجهها المسلم في تعامله مع مصائبه. يقول تعالى في شأن الصحابة الكرام: (رَضِيَ اللَّـهُ عَنهُم وَرَضوا عَنهُ وَأَعَدَّ لَهُم جَنّاتٍ تَجري تَحْتَهَا الأَنهارُ خَالِدينَ فِيهَا أَبَدًا ذَٰلِكَ الفَوزُ العَظيمُ).

  • الذين يرضون عن الله -عز وجل- لا يعترضون على أحكام الله وقضائه.

الرضا يُبعد المؤمن عن السخط والاعتراض على حكم الله عز وجل، ويمنحهم أمناً وسكينة وطمأنينة.

Related Posts

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *