تقديم شامل لسورة الروم في القرآن الكريم

مقدمة حول سورة الروم

نظرة عامة على السورة

تُعتبر سورة الروم من السور التي نزلت قبل هجرة النبي محمد -عليه الصلاة والسلام-، وذلك في فترة هزيمة دولة الروم على يد الفرس. حيث وقعت هذه المعركة في أدنى الشام، وتعرضت الروم للهزيمة مما أسعد المشركين، في حين كان هذا الخبر مؤلماً للمسلمين، إذ كان النبي -عليه الصلاة والسلام- يؤمن بأن نصر المجوس الوثنيين على أهل الكتاب هو أمر يبعث على القلق. وقد أُخبر أن سورة الروم تعد بالكامل مكية، وقد أشار بعض العلماء، مثل الحسن، إلى أن هناك اختلافات حول كون بعض آياتها مكية. تجدر الإشارة إلى أن سورة الروم هي السورة رقم ثلاثين في ترتيب القرآن الكريم، وتتضمن السمات التقليدية للسور المكية، مثل إثبات نبوة النبي -عليه الصلاة والسلام- ومعجزاته، وذكر التوحيد ورؤية الله -عز وجل-، كما تعرض لنعمه التي تُحول الحزن إلى فرح.

ترتيب آيات السورة

تتعدد آراء العلماء في عدد آيات سورة الروم، حيث يعتقد البعض أنها تتألف من ستين آية، بينما يرى البعض الآخر أنها تضم تسعاً وخمسين آية. ويعود هذا الاختلاف إلى طريقة جمع الآيات كما سمعها الصحابة من النبي -عليه الصلاة والسلام-؛ حيث اعتُبرت نهاية ما يتم قراءته آية، وما يستمر من القراءة يُعتبر جزءاً من الآية السابقة. وفيما يلي توضيح لبعض الاختلافات:

  • اعتبر الكوفيون الآية في قوله -تعالى-: (الم* غُلِبَتِ الرُّومُ) آيتين منفصلتين بينما اعتبرها آخرون آية واحدة.
  • عُددت الآية في قوله -تعالى-: (فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّـهِ الْأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ) كآية كاملة، بينما اعتبرها البعض جزءاً منفصلاً.
  • اعتبرت الآية في قوله -تعالى-: (وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ كَذَلِكَ كَانُوا يُؤْفَكُونَ) آية كاملة، بينما اعتبر آخرون “يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ” آية مستقلة.

الإعجاز في سورة الروم

يمثل القرآن الكريم معجزة بنفسه، وقد تحدى الله -عز وجل- كل من كفر بتناسب أن يُقدموا على تأليف مثله، إلا أنهم لم يستطيعوا ولن يستطيعوا. يُظهر الإعجاز في سورة الروم من خلال الإشارة إلى أحداث مستقبلية وكأنها قد حدثت بالفعل، كما في قوله -تعالى-: (الم* غُلِبَتِ الرُّومُ* فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ). وهذا ما يفسر سبب تسمية السورة بهذا الاسم، إذ بدأت بالإخبار عن هزيمة الروم يليها انتصارهم لاحقاً.

مواضيع سورة الروم

تناولت سورة الروم مجموعة من الموضوعات المهمة، ونستعرضها فيما يلي:

  • تأكيد الترابط بين جميع ما هو موجود وما كان وما سيكون بالله -تعالى-، حيث أنه المتصرف في ماضي البشرية وحاضرهم ومستقبلهم، كما هو مذكور في كتابه العزيز: (لِلَّـهِ الْأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ).
  • توحيد الله -تعالى- وإظهار الأدلة على وحدانيته واستحقاقه للعبودية، مع إبراز قدرته وإعجازه في خلق الرياح والسحاب، وإنزال المطر وإحياء الأرض.
  • مواساة النبي -عليه الصلاة والسلام- ودعوة المسلمين إلى الصبر، مع تحريم الربا والتشجيع على الأعمال الصالحة مثل الأمر بالمعروف والعمل الصالح.
  • تذكير بإرسال الرسل والمواعظ التي يمكن أخذ العبرة منها، مع الإشارة إلى انتشار الفساد واستمرار الكافرين في كفرهم.
  • الأحاديث عن البعث والحشر ويوم القيامة، مع الحديث عن مصير الظالمين يوم الحساب.
  • الحث على إعطاء الحقوق لأهلها من اليتامى والمساكين وذوي القربى، مع التأكيد على أن الرزق بيد الله -تعالى-.
  • إثبات أن القرآن الكريم هو من عند الله -عز وجل- وأن الإسلام هو الدين الحق وأن الآخرة قادمة بلا شك، مع الحديث عن الجزاء.
  • الإخبار بهزيمة الروم والبشارة للمسلمين بانتصارهم على الفرس بعد عدة سنوات، مع الوعد بنصر الله للمؤمنين.
  • استعراض حال الانتقال من الحياة الدنيا إلى الآخرة واكتشاف الحقائق الكونية.
  • إظهار الحالة العامة للنفس البشرية في حالة النسيان لله -تعالى- في الرخاء، وتوجههم إليه في الأوقات الصعبة.
  • بيان مصير المؤمنين الذين اتبعوا أوامر الله في جنات النعيم، ومصير الكافرين في جهنم.
  • التأكيد على ضرورة نشر رسالة الإسلام على الرغم من التحديات، لأن الله -تعالى- قد تعهد بحفظ دينه.

سبب نزول سورة الروم

نزلت سورة الروم نتيجة لهزيمة الروم في أدنى الأرض، أي في الأردن وفلسطين، على يد الفرس، وتتضمن بشارة بنصر الروم من أهل الكتاب بعد بضع سنوات، حيث يُقدر (بِضع) بين ثلاث إلى تسع أو عشر سنوات. وفعلياً، وقعت معركة بين الروم والفرس في السنة السابعة من الهجرة وانتصرت الروم. ويستند بعض المفسرين إلى حديث أخرجه الإمام الترمذي -رحمه الله- عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- حول ظهور الروم على فارس، والذي اعتبر كسبب لنزول السورة. ومع ذلك، لم يتفق بعض المفسرين مع هذا الحديث بسبب عدم دقته، ولأن السورة مكية وقد نزلت قبل الهجرة، في حين وقعت غزوة بدر بعد الهجرة. كما ذكر ابن عاشور أن من أسباب نزول السورة هو فرحة المشركين بنصر المجوس من الفرس على الروم، مما جعل الآيات بمثابة زجر لهم.

Related Posts

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *