نظرة عامة على اضطرابات مرحلة البلوغ
تُعرف مرحلة البلوغ بأنها فترة حيوية تُميّز تغيرات طبيعية وصحية مهمة تطرأ على الطفل نتيجة تباين مستويات هرمونات معينة في الجسم، وهو ما يعكس الانتقال من مرحلة الطفولة إلى مرحلة المراهقة. تتضمن هذه المرحلة مجموعة من التغيرات العاطفية والنفسية والاجتماعية، إلى جانب تطورات جسدية داخلية وخارجية، وتغيرات في تركيبة الدماغ. ومن المهم الإشارة إلى أنه في بعض الحالات قد تسير هذه التغيرات بشكل غير طبيعي، مما يؤدي إلى ما يُعرف باضطرابات مرحلة البلوغ (بالإنجليزية: puberty disorder).
تحدث هذه التغيرات الهرمونية في العادة خلال سنوات الدراسة المتوسطة، لكن توقيت بدءها قد يختلف من طفل لآخر. فغالبًا ما تبدأ علامات البلوغ في الظهور لدى الإناث قبل الذكور. وترتبط هذه التغيرات بتقلبات في مستويات الهرمونات في الجسم. تُتحكم مرحلة البلوغ والجهاز التناسلي بواسطة منطقة صغيرة في الدماغ تُسمى تحت المهاد (بالإنجليزية: Hypothalamus)، التي تطلق عدة هرمونات مثل الهرمون المطلق لموجهة الغدد التناسلية (GnRH)، مما يحفز إفراز هرمون الحوصلة (FSH) والهرمون المنشط للجسم الأصفر (LH) من الغدة النخامية. وتوجه هذه الهرمونات إلى الغدد التناسلية – المبيضين لدى الإناث والخصيتين لدى الذكور – لتحفيز إنتاج الهرمونات الجنسية مثل الإستروجين والبروجسترون والتستوستيرون، كما تدعم هذه الهرمونات عملية تكوين الجاميتات (Gametogenesis). ويساهم كل من الإستروجين والتستوستيرون في تطوير الخصائص الجنسية الثانوية خلال مرحلة البلوغ، مثل ظهور شعر الوجه وتضخم الكتلة العضلية لدى الذكور، ونمو الثديين والتماثل في الوركين لدى الإناث.
يمكن تصنيف اضطرابات مرحلة البلوغ إلى نوعين رئيسيين. فالبلوغ المتأخر يُعتبر غالبًا حالة طبيعية تُعرف بتأخر البلوغ البنيوي، ولكنه قد ينجم أيضاً عن قصور الغدد التناسلية، مما ينتج عنه نقص في موجهة الغدد التناسلية أو فرط فيها. أما البلوغ المبكر فقد يكون ناتجًا عن تحفيز تحت المهاد، ويطلق عليه في هذه الحالة البلوغ المبكر المركز أو المعتمد على هرمون موجه الغدد التناسلية، أو قد يكون ناتجًا عن تغيرات في تنظيم إنتاج الهرمونات الجنسية في الغدد، فيُطلق عليه البلوغ المبكر المحيطي.
للمزيد من المعلومات حول سن البلوغ، يُمكن الاطلاع على المقالات التالية: (ما هو سن البلوغ)، (ما هو سن البلوغ عند الأولاد)، و(معلومات عن سن البلوغ عند البنات).
البلوغ المبكر
يحدث البلوغ المبكر عندما تظهر علامات التغيرات في جسم الطفل في سن مبكرة جدًا، مما يشير إلى بدء عملية بلوغه.
الآثار الناتجة عن البلوغ المبكر
تظهر العلامات والأعراض لدى الأطفال ممن لا تتجاوز أعمار الذكور 9 سنوات أو الإناث 8 سنوات، ومن أبرز هذه العلامات: النمو السريع، وظهور رائحة الجسم المماثلة لرائحة البالغين، ونمو الشعر في مناطق العانة والإبط، وتضخم القضيب والخصيتين، وزيادة عمق صوت الذكور، ونزل الدورة الشهرية الأولى لدى الإناث. مع أن الطفل قد يبدو أطول بالمقارنة مع أقرانه في مرحلة البلوغ المبكر، إلا أنه من المحتمل أن ينتهي به المطاف لطول أقل عند انتهاء هذه المرحلة، في حالة عدم العلاج المناسب، ويعزى ذلك إلى توقف نضوج الهيكل العظمي في سن مبكرة.
تواجه الفتيات مشكلات اجتماعية وعاطفية نتيجة البلوغ المبكر، مثل القلق حول الدورة الشهرية أو مقارنة أنفسهن بالفتيات الأخريات في نفس العمر. وقد ترافق هذه الحالة تغيرات سلوكية وعاطفية، حيث قد تتعرض الفتيات لتقلبات مزاجية، بينما قد يظهر على الأولاد تصرفات جنسية غير مناسبة لعمرهم أو سلوكيات عدوانية. من الضروري زيارة الطبيب لتقييم الحالة عند ملاحظة أي من هذه الأعراض.
أسباب البلوغ المبكر
تُصنف أسباب البلوغ المبكر إلى نوعين: محيطية ومركزية. في حالة البلوغ المبكر المركزي، يبدأ البلوغ في وقت مبكر بطريقة طبيعية، وغالبًا ما لا يعاني الأطفال من مشكلات صحية واضحة. ومع ذلك، هناك حالات نادرة يمكن أن تتسبب فيها أورام أو تشوهات في الدماغ. أما البلوغ المحيطي، فينتج عادة عن وجود هرمونات إضافية مثل الإستروجين أو التستوستيرون نتيجة التغيرات في الأنسجة أو الغدد، مثل الغدة الكظرية. من الممكن أيضًا أن تتعرض الفتاة للإصابة بأورام في المبايض أو أن يؤثر عليها هرمون من مصادر خارجية، مثل الكريمات.
تشمل العوامل المحتملة التي قد تؤثر في حدوث البلوغ المبكر:
- العوامل الجينية: بعض الطفرات الجينية تؤدي إلى إفراز مبكر للهرمونات الجنسية.
- الجنس: الفتيات أكثر عرضة للبلوغ المبكر بـ 10 مرات مقارنة بالفتيان.
- السمنة: يرتبط البلوغ المبكر بزيادة وزن الجسم، خاصة بين الفتيات.
- العرق: الفتيات من أصول إفريقية أمريكية قد يحققن مرحلة البلوغ بوقت أبكر.
- التبني الدولي: الأطفال الذين يتم تبنيهم من الخارج يُعدّون أكثر عرضة للبلوغ المبكر.
البلوغ المتأخر
يحدث البلوغ المتأخر عندما يتأخر ظهور العلامات الجنسية الثانوية عند الذكور حتى عمر 14 سنة أو 12 سنة عند الإناث، مثل تغيّر الصوت أو نمو الثديين أو نمو الشعر في مناطق العانة.
الآثار الناتجة عن البلوغ المتأخر
يظهر تأخر البلوغ بشكل خاص عند الذكور، وعندما تتجاوز الفترة الزمنية بين بداية البلوغ ونمو الأعضاء التناسلية 5 سنوات، أو عدم تضخم الخصيتين قبل عمر 14 سنة. أما بالنسبة للفتيات، فيُعتبر عدم نزول الحيض قبل سن 16 عاماً أو عدم تطور الثدي قبل 13 عاماً دليلاً على تأخر البلوغ.
غالبًا ما يبدو المراهق الذي يعاني من تأخر البلوغ أقصر قامة من أقرانه، مما قد يجعلهم عرضة للتنمر. كما قد تترافق هذه الحالة مع زيادة التوتر النفسي. لذا يجب على الأهل استشارة طبيب مختص للحصول على تشخيص دقيق.
أسباب البلوغ المتأخر
قد يعود تأخر البلوغ للعوامل الوراثية. في مثل هذه الحالات يُطلق عليها تأخر البلوغ البنيوي. إذا كان النمو يتأخر عن المعدل الطبيعي، فقد يرجع ذلك لأسباب صحية مثل:
- الأمراض المزمنة: مثل أمراض الكلى أو السكري.
- سوء التغذية: التي تمنع الطفل من الحصول على العناصر الغذائية الضرورية.
- مشكلات الغدة الدرقية: التي تؤثر في هرمونات النمو.
- حوامل الغدد التناسلية: التي تشمل قصور في إنتاج الاستروجين أو التستوستيرون.
- مشكلات الغدتين النخامية أو تحت المهاد: التي قد تعيق إفراز الهرمونات الضرورية.
تطور النهد المبكر
تظهر كمية صغيرة من نسيج الثدي لدى الفتيات قبل بلوغهن ثلاث سنوات، دون ارتباط ذلك بنمو أو زيادة في حجم الثدي. يُعزى ذلك عادة إلى وجود أكياس صغيرة على المبايض. هذه الحالة لا تحتاج لعلاج ويجب التفريق بينها وبين البلوغ المبكر الحقيقي.
بدء الإحاضة المبكر
تحدث عندما تبدأ الدورة الشهرية دون ظهور علامات البلوغ. قد يكون لدى الفتيات اللواتي يعانين من هذه الحالة بعض الحيضات المعدنية المتقطعة، وغالبًا ما يعود طولهن وخصوبتهن لطبيعة مرحلة البلوغ. ولكن يتطلب الوضع تقييم مستمر لحالة الهيكل العظمي.
عنفوان التكظر المبكر
تقع فوق كل كلية غدة كظرية مسؤولة عن إنتاج الهرمونات، وعند ظهور علامات التكذر المبكر قبل الأعمار المحددة (8 سنوات للإناث و9 سنوات للذكور)، قد لا تكون هذه مشكلة صحية خطيرة. تشمل الأعراض ظهور شعر الإبط والشعر في مناطق العانة دون تغيير في حجم الأعضاء التناسلية.
تشخيص اضطرابات البلوغ
الفحص الجسدي
يبدأ التشخيص بأخذ تاريخ طبي مفصل، إلى جانب إجراء فحص جسدي شامل.
الاختبارات التشخيصية
قد يوصي الأطباء بإجراء عدة اختبارات لتشخيص الحالة بدقة، ومن بينها:
- الأمواج فوق الصوتية: لفحص الغدد الكظرية والمبايض.
- التصوير بالأشعة السينية: لتقييم عمر العظام.
- اختبارات الدم: لتحديد مستويات الهرمونات المرتبطة بالبلوغ.
- اختبار تنبيه هرمون مطلق لموجهة الغدد التناسلية: لتحديد شكل البلوغ المبكر.
- التصوير بالرنين المغناطيسي: لكشف المشكلات في الدماغ.
- الفحص الجيني: لعوامل وراثية قد تؤثر على البلوغ.
- اختبار كثافة العظام: لتحديد فقدان العظم.
علاج اضطرابات البلوغ
يعتمد العلاج المناسب على الأعراض والمشكل الصحية للمريض، ويمكن أن تشمل الخيارات العلاجات التالية:
- المراقبة الدورية: لحالات يمكن أن تتحسن تلقائيًا.
- الاستشارة النفسية: لمساعدة الأطفال والعائلات في التكيف مع التغيرات.
- العلاج الهرموني: مثل استخدام الأدوية لتثبيط إفراز الهرمونات أو بدائل الهرمونات لتعويض النقص.
- العلاج الجراحي: ضروري عند وجود أورام تتداخل مع البلوغ.
مشكلات صحية مرتبطة بمرحلة البلوغ
تظهر مجموعة من المشكلات الصحية خلال أو بعد البلوغ، منها:
- تثدي الرجل: تضخم مؤقت في الثديين لدى الذكور.
- الأمراض المنقولة جنسيًا: زيادة خطر الإصابة نتيجة النشاط الجنسي.
- نزيف الرحم: توقف الإباضة قد يؤدي إلى نزيف غير طبيعي.
- تغيرات النظر: قصر النظر قد يزداد بسبب نمو العين.
- حب الشباب: التهاب قد يظهر بسبب التغيرات الهرمونية.
- فقر الدم: نقص الحديد عند الفتيات نتيجة فقدان الدم أثناء الحيض.
- انحراف العمود الفقري: قد يظهر أو يتفاقم خلال مرحلة البلوغ.
- الإصابات العضلية الهيكلية: زيادة عرضة المراهقين للإصابات خلال فترة النمو.