حكم الشهادة في النكاح وفق المذهب المالكي
يعتقد بعض الناس أن المذهب المالكي لا يشترط الشهادة في النكاح، ولا يعتبرها عنصرًا أساسيًا لإنجاز عقد الزواج. إلا أن هذه الفكرة تستند إلى فهم غير دقيق لأراء المالكية. في الواقع، المذهب المالكي، مثل باقي المذاهب الفقهية، يعتبر الشهادة شرطًا لصحة الزواج.
لفهم هذا الأمر بشكل أوضح، ينبغي معرفة الفرق بين وجهة نظر المالكية وآراء بقية الفقهاء بشأن اشتراط الشهادة. فقد أقر جمهور الفقهاء بأن الشهادة واجبة عند إبرام العقد، حيث يساعد ذلك في تحقيق الغرض من الشهادة. وبغياب الشهود يعد العقد فاسدًا، بينما اعتبر الحنفية أن الشهادة مسألة جوهرية لركن العقد ويتوجب وجودها عند إبرامه.
قد اعتبرت المالكية الشهادة شرطًا لصحة الزواج، لكنها لا تشترطها عند إجراء العقد. بل تراها ضرورية قبل الدخول، وتكون مستحبة عند عقد الزواج. والدليل على ذلك هو اعترافهم بأن الزواج السري يعتبر عقدًا فاسدًا يلزم فسخه، ويجب إعلانه. وبالتالي، فإن إعلان الزواج يعد بمثابة إشهاد للناس عليه حتى وإن لم يُوثق في عقد رسمي. الزواج الذي يتم سراً من دون إشهاد أو إعلان يعتبر محرمًا ويُعتبر تصرفًا غير جائز.
وقد جاء في كتب المالكية ما يثبت رؤيتهم بشأن ان الشهادة شرط لصحة النكاح من بينها:
- ما ذكره الدسوقي في “حاشية الدسوقي على الشرح الكبير”.
“أما الإشهاد عند البناء (أي عند الدخول) فهو واجب، ويُفسخ النكاح إذا دخلا بدونه أي من دون إشهاد وذلك بطلقه.”
- ما ورد في “فتح العلي المالك”.
في فتوى للمذهب المالكي حول “النكاح بغير شهود ثم يشهد الولي والزوج عليه قبل الدخول: هل هو صحيح؟” كانت الإجابة: “نعم هو صحيح اتفاقًا إن وقع العقد دون إشهاد، واشهد عليه قبل الدخول.” وهذا يدل على أن المالكية يشترطون الشهادة ليكون الدخول جائزًا.
- ما قاله ابن عبد البر في “الكافي في الفقه المالكي”.
“ومن شروط النكاح عند مالك إعلانه لحفظ النسب.” وأشار إلى أن “نكاح السر غير جائز ويُفسخ قبل الدخول وبعده.” كما أضاف: “ولو شهد على النكاح رجلان واستكتما ذلك، كان نكاح سر.”
- ما ذكره أحمد الصاوي في “حاشية الصاوي على الشرح الصغير في الفقه المالكي”.
إن أصل الإشهاد على النكاح واجب، ويتطلب حضور شاهدين عند عقد الزواج، وإذا كان الشاهدان حاضرين فقد اجتمعت الأمور الواجبة والمستحبة. وإن لم يتواجد الشاهدان عند العقد ولكنهما شهدا عند الدخول، لزم الواجب ولكن فوت المستحب.
أدلة المالكية على الشهادة في عقد النكاح
نفيد أن عائشة -رضي الله عنها- روت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: “أعلنوا هذا النكاح واضربوا عليه بالغربال”. وقد أُعتبر هذا الأمر بالإعلان صحيحًا، وبعض العلماء حسنوه. لذلك اعتبر المالكية هذا الدليل أساسًا لاشتراط الشهادة قبل الدخول حتى لو كان بالإعلان وليس نص العقد نفسه.
شهادة المرأة على النكاح وفق المذهب المالكي
قال الله -تعالى- في كتابه الكريم أن شهادة المرأة مقبولة في الدين والمعاملات المالية كما في آية الدين: “واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء”.
ومع ذلك، فإن المالكية وجمهور الفقهاء لا يجيزون شهادة المرأة في النكاح أو الطلاق أو القتل أو القصاص أو الحدود، واعتبروا أن الشهادة يجب أن تكون لرجلين عدلين. والسبب في ذلك أن المرأة نادرًا ما تشهد على هذه العقود، في حين أن الرجل يكون أكثر تحملًا لمسؤولية هذه الشهادات التي تثبت حقوقًا مهمة. أما في الحالات التي لا يحضر فيها إلا النساء، فقد أقر الفقهاء بأن شهادتها تعتبر مقبولة.
كما أشار الإمام مالك -رحمه الله- في “المدونة” إلى قول ابن شهاب: “قد أخذت السنة عن الرسول -صلى الله عليه وسلم- والخليفتين بعده، أن شهادة النساء في النكاح والطلاق والحدود لا تجوز.”
أهمية الشهادة في النكاح
تشير الشهادة في النكاح إلى ضرورة وجود رجلين عدلين يشهدون على عقد الزواج بين الرجل والمرأة، ويعني العدالة أن الشهود معروفون بالاستقامة وغير معروفين بممارسة الكبائر.
تعتبر الشهادة في الزواج ضرورية لأن الزواج يترتب عليه حقوق مختلفة لكلا الزوجين مثل المهر والنسب والميراث والنفقة وغيرها. ومن هنا، يُشترط وجود الشهود لإثبات هذه الحقوق حسب آراء أغلب الفقهاء. كما أن الشهادة تساهم في درء الشبهات عن الزوجين وتبرز أهمية الزواج وخطورته.