العصر الحجري الوسيط
يُعرف العصر الحجري الوسيط، أو ما يُسمى بالعصر الميزوليتي (بالإنجليزية: Mesolithic)، كمرحلة تاريخية هامة في تاريخ الإنسانية، تمتد بين العصر الحجري القديم الذي تميز بأدواته المصنوعة من الحجر البدائي، والعصر الحجري الحديث الذي شهد تطورًا ملحوظًا في تصنيع الأدوات الصقلية والحرفية.
تتباين المدة الزمنية للعصر الحجري الوسيط بحسب المناطق الجغرافية. فعلى سبيل المثال، في شمال غرب أوروبا، استمر هذا العصر من عام 8000 إلى 2700 قبل الميلاد، بينما في مناطق أخرى قد تختلف التواريخ بفارق آلاف السنين، وذلك بناءً على المواد المستخدمة في تلك الفترة.
يشترك العصر الحجري الوسيط في الكثير من الخصائص مع الثقافات القديمة في نصف الكرة الغربي، إلا أنه غالبًا ما يُستخدم مصطلح “الميزوليتي” للإشارة إلى المستوطنات البشرية في نصف الكرة الشرقي. ويمتاز هذا العصر بتنوع كبير في الصناعات والابتكارات، مقارنةً بالعصر الحجري القديم.
لقد ساهمت ثقافات العصر الحجري الوسيط في تطوير أنماط حياة متعددة، حيث تمكَّنت من التكيف مع البيئات المختلفة، مما ساهم في استمرار التقدم التقني والثقافي للبشرية. ومن أبرز الابتكارات التي تمت في هذا العصر هو إيجاد طرق جديدة للزراعة ومصادر غذاء متنوعة، بجانب ارتفاع كفاءة الصيد.
اعتمد البشر في العصر الحجري الحديث على العديد من الأدوات والمصنوعات من العصر الحجري الوسيط، لاسيما تلك المتعلقة بالصيد والزراعة، وهذا يُظهر مدى التطور الحضاري الذي حققه هذا العصر. ولا تزال هناك العديد من الآثار والبقايا التي تعود لهذا العصر، وخاصةً من الفترة المعروفة بالعصر الحجري الحديث الثانوي.
الأدوات في العصر الحجري الوسيط
بدأت الابتكارات في تصنيع الأدوات منذ حوالي 200 ألف سنة، وتزايدت وتيرة التطور التكنولوجي. عُثر على العديد من الأدوات المنتمية إلى العصر الحجري الوسيط، مثل الأعمدة المستخدمة في بناء الرماح، واعتمدت التقنيات الجديدة مثل القاشطات المستخدمة في تجهيز الخشب والجلود والمواد الأولية. كما تم إيجاد المآزر الحجرية التي كانت تعد مكونًا ضروريًا في صناعة الجلد.
برزت أدوات الميكروليت خلال العصر الحجري الوسيط، وهو نوع من الحجر يشبه البازلت. واحتلت هذه الأدوات الصغيرة الحجم مكانة مركزية في تصنيع الأدوات اليدوية، حيث كانت تُركب معًا لتشكل حوافًا مسننة.
الفن في العصر الحجري الوسيط
تميز العصر الحجري الوسيط أيضًا بتطور الفنون كما هو الحال في الصيد والزراعة وتدجين الحيوانات. فقد استمر البشر في تطوير الفنون بالرسم على جدران الكهوف وإنشاء نقوش تعبر عن حياتهم اليومية. رغم أن معظم مستوطنات العصر كانت عبارة عن قُرى مكونة من بيوت بسيطة، كان الرسم على جدران الكهوف عملًا شائعًا في تلك الفترات.
تشهد التغيرات المناخية الكبيرة في العصر الحجري الوسيط على التحولات في نمط الحياة والفنون المتراكمة. ومع ذلك، لم تتوفر الموارد الغذائية بشكل كافٍ في تلك الفترات، مما دفع السكان لممارسة الصيد بشكل منتظم والتنقل بين الأماكن المختلفة، وهذا بدوره أثر على طبيعة الفنون التي ظهرت خلال تلك الفترة.
يصعب تحديد نمط فني محدد في العصر الحجري الوسيط، حيث تتداخل الفنون الحديثة مع الفنون التي نجت من العصر الحجري القديم. إلا أن معظم الأعمال الفنية تتمثل في النقوش الكهفية، والهندسة المعمارية الضخمة، واللوحات الفنية، والنحت في الأشكال الصغيرة والكبيرة.
الفن الصخري
أولَى فنانو العصر الحجري الوسيط اهتمامًا كبيرًا بالفن الصخري، وتم العثور على العديد من المواقع الفنية في إسبانيا على ضفاف البحر الأبيض المتوسط. وتشمل هذه الفنون شخصيات حقيقية أو خيالية رسمت أو نُحتت لتصوير الإنسان والحيوان، وكانت هذه الفنون تتركز بشكل خاص في مناطق أوروبا، حيث كانت متطورة وشائعة.
تُعد مشاهد الصيد الأكثر شيوعًا في الفن الصخري خلال هذا العصر، حيث غالبًا ما يظهر الإنسان وهو يتجه نحو فريسة معينة. كما توجد بعض التصويرات الأخرى لمعارك ملحمية، ومشاهد للرقص، ورسم الأدوات الزراعية، وطريقة الزراعة، بالإضافة إلى تصوير الحيوانات الأليفة والحيوانات المقتولة، مثل الغزلان، وكذلك رسومات تُظهر كيفية جمع العسل.
تتضمن أشهر لوحات العصر الحجري الوسيط لوحة (راقصات كوجول)، والتي تُظهر الحركة في فن سكني حجري، حيث تصور تسع نساء، بعضهن باللون الأحمر وبعضهن باللون الأسود، مما لم يكن سائدًا في ذلك الزمن، ويظهرن يرقصن بشكل غير اعتيادي حول رجل غير مألوف.