الإسلام: دين يسعى للتعايش السلمي بين الناس

الإسلام

عند استعراض تعاليم الإسلام المتجسدة في القرآن الكريم وسنة الرسول محمد -صلى الله عليه وسلم-، نلاحظ بوضوح أن الإسلام يعكس مبادئ تتوافق مع طبيعة الإنسان. على مر العصور، سعى البشر لوضع سياسات لتحسين إدارة شؤون بلادهم وحماية حقوق مواطنيهم، وهذه السياسات تتضمنها التشريعات الإسلامية منذ البداية.

فيما يتعلق بحماية حقوق الأفراد بمختلف أديانهم داخل المجتمع، يتجلى ذلك في التاريخ الإسلامي، حيث قام بفرض حماية حقوق اليهود والنصارى، مما أتاح لهم العيش بحرية كاملة تحت حكمة الدولة الإسلامية.

الإسلام كدين للتعايش

تعريف التعايش

التعايش، في اللغة، يعني عيش الناس سوياً، بينما يشير المصطلح إلى الاجتماع بين الأفراد في “تساكن وتوافق داخل المجتمع، رغم اختلافاتهم الدينية والمذهبية”. أما في المعنى الاصطلاحي، فيتعلق بتحسين العلاقات بين الشعوب والطوائف أو الأقليات الدينية، ويعتبر البعض ذلك تسامحاً بينما يراه آخرون مظهراً من مظاهر حسن المعاملة. يجسد التعايش الحياة بصورة ملائمة بين مختلف المجتمعات رغم الاختلافات الدينية والفكرية والثقافية.

هذه الفكرة تتوافق مع التعاليم الإسلامية، حيث أكد القرآن الكريم على أهمية التعامل الحسن مع الآخرين، كما ورد في قوله تعالى: (لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ).

التعايش في الإسلام

من أبرز خصائص الإسلام تسامحه وقدرته على التعايش مع الأديان السماوية الأخرى. فقد مدح الله نبيه محمد -صلى الله عليه وسلم- والمؤمنين به لإيمانهم بالأنبياء السابقين، كما جاء في قوله تعالى: (آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ).

كما دعى الإسلام أتباعه إلى حسن التعامل مع أهل الأديان المختلفة، دون إجبارهم على اعتناق الإسلام أو التخلي عن معتقداتهم: (وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ). هذه المبادئ تعد من أفضل ما جاء في الشريعة الإسلامية وتميزها عن باقي القوانين الوضعية.

مظاهر التعايش في الإسلام

إن التاريخ مليء بالنماذج التي تجسد معنى التعايش السلمي بين المسلمين وغيرهم على مر العصور في ظل الدولة الإسلامية، حيث يحتفظ الأفراد بحقوقهم بغض النظر عن دينهم أو عرقهم أو جنسهم. إن هذا كله يقوم على العدالة ونصرة المظلومين. ومن مظاهر تعايش الإسلام مع الديانات الأخرى ما يلي:

ضمان حرية المعتقد

يعتقد المسلمون أن دينهم هو الدين الحق، ومع ذلك لا ينكرون حق الآخرين في الاعتقاد بما يشاؤون. ولم يثبت تاريخياً أن المسلمين حاولوا إجبار أصحاب الديانات الأخرى على الدخول في الإسلام؛ بل منحوا حرية كاملة في ممارسة شعائرهم، شرط عدم التعرض للإسلام وأهله.

كما تؤكد النصوص الشرعية على أن واجب المسلمين هو دعوة الناس إلى الإسلام بأسلوب حسن، كما ورد في قوله تعالى: (ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ۖ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ).

ضمان سلامة دور العبادة

كما أقر الإسلام بحرية ممارسة الشعائر الدينية للديانات الأخرى دون إجبارهم على تغيير معتقداتهم أو التعرض لأماكن عبادتهم. وفي هذا السياق، ضرب النبي -صلى الله عليه وسلم- مثالاً رائعاً، حيث أعطى أهل نجران ضمانات لحماية كنائسهم وعدم التدخل في شؤون عبادتهم.

وبعده سار الصحابة على نفس النهج، إذ ورد عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أنه كتب لأهل القدس في العهدة العمرية: “هذا ما أعطى عبد الله عمر أمير المؤمنين أهل إيلياء من الأمان…”.

حرية ممارسة العبادة

لم يتوقف الإسلام عند حماية دور العبادة، بل سمح لأهل الديانات الأخرى بإقامة شعائرهم في أوقاتها المناسبة، حيث ورد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قوله لليهود: (وأنتم يا يهودُ عليكُمْ خاصَّةً ألَّا تَعْدوا في السَّبْتِ).

توطيد علاقات المسلمين بهم

لا يمنع الإسلام من إقامة علاقات صداقة أو جيرة مع غير المسلمين. وقد عُرف عن الرسول -صلى الله عليه وسلم- تواصله وزياراته لأهل الديانات الأخرى ومساعدتهم عند الحاجة.

وورد في صحيح البخاري عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أن غلاماً يهودياً كان يخدم النبي -صلى الله عليه وسلم- مرض، فذهب يزوره وطلب منه الإسلام، فاستجاب له بعد التشاور مع والده.

كما كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يزور المرضى من غير المسلمين. وهذا يبيّن أن الجميع، على مر التاريخ، عاشوا في أجواء من الألفة والمحبة في ظل الدولة الإسلامية، حيث لم يحدث أي تعدٍ على حقوقهم.

التعامل معهم بالعدل

قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ… اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ). هذه دعوة واضحة للمسلمين للعدل في التعامل مع الآخرين، حيث إن العدل هو الأقرب للتقوى ولا يجوز التخلي عنه بسبب الخلافات في الدين أو الأمور الأخرى.

Related Posts

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *