توضيح مفهوم مجزوءة الوضع البشري في الفلسفة

في الفلسفة، يُعتبر مفهوم الوضع البشري أو الوجود الإنساني من أهم القضايا الفلسفية، حيث يسعى إلى فهم طبيعة الوجود واستكشاف أبعاده الجوهرية، وأهمها البعد الذاتي. تابعوا موقعنا للتعرف على مفهوم الوضع البشري في الفلسفة واكتشاف أبعاده.

مفهوم الشخص

الشخص هو كائن عاقل وواعٍ ومتفاعل، يتمتع بحرية اتخاذ القرارات ويتحمل مسؤولية أفعاله. يستنتج من هذا التعريف أن البشر يمتلكون سمات ثابتة نسبيًا، مما يجعلهم موضوعًا يستوجب الدراسة.

إضافة إلى ما سبق، هناك سلوكيات تبدو أنها نابعة من حرية الاختيار، مما يتطلب الغوص في حدود هذه الحرية.

المحور الأول – الشخص والهوية (وفقًا لديكارت)

  • يعتبر ديكارت أن أساس هوية الشخص هو التفكير الخالص، لفهم فكر ديكارت حول الهوية الذاتية، من الضروري الرجوع إلى مؤلفه المعروف “التأملات الميتافيزيقية”.
  • يظهر من خلال هذا النص أن الفكر هو العنصر الأساسي في تكوين الهوية الذاتية، حيث أنه الشيء الوحيد الذي لا يمكن الشك فيه.
  • لذا، يصبح الفكر هو الثابت الوحيد الذي يمكن الاعتماد عليه لتأسيس الهوية الشخصية.
  • في هذا الكتاب، يطرح ديكارت منهجه القائم على الشك، والمعروف باسم الشك المنهجي.
  • يتضمن هذا الكتاب في تأملاته الأولى أسباب الشك والتي تشمل خداع الحواس وخطأ العقل.
  • فإذا كانت الحواس تخدع (مثل السراب والأحلام)، والعقل يمكن أن يخطئ (كما في العمليات الحسابية البسيطة)، فإنه من الهام التوجه نحو الشك المنهجي للوصول إلى يقين أولي.
  • عندما تشك في كل شيء، ستجد أن هناك شيئًا واحدًا، وهو الشك في نفسه، والذي يمكن إثباته عبر الحدس.
  • طالما أن الشك هو نوع من التفكير، فإن الفكر هو ما يمكن إثباته، وهذا هو مضمون التأمل الثاني حيث يثبت هوية “الأنا المفكر”.
  • من خلال الكوجيتو “أنا أفكر، إذن أنا موجود”، يتضح أن جوهر الإنسانية هو الفكر، مما يحدد هويتها من خلال الأنشطة الفكرية الخالصة وبعيدة عن كل الأحاسيس.
  • هذه الأنشطة ليست منفصلة عن الهوية البشرية، بل تشكل أساس الوجود الإنساني.
  • الإنسان موجود طالما أنه يفكر، وعندما يتوقف عن التفكير، يتوقف عن الوجود.
  • من هنا، يتضح أن الإنسان كائن مفكر، ولكن هذا الفكر يُعتبر خالصًا ومجردًا تمامًا، وينفصل عن أي تجارب حسية.

المحور الثاني – قيمة الشخص (طبقًا لكانط)

يؤكد كانط أن مصدر قيمة الشخص هو العقل الأخلاقي العملي، وذلك كما ورد في كتابه “أساس ميتافيزيقا الأخلاق”، حيث تعتبر الأخلاق المصدر الحقيقي لقيمة الشخص.

ويُعرف الشخص بأنه يمتلك عقلًا عمليًا أخلاقيًا، يحمل القدرة على التمييز بين ثلاث مستويات من الوجود الإنساني:

الأول

  • وهو الوجود الطبيعي، أي وجود الإنسان كجسد أو “ظاهرة طبيعية”، وهو وجود قاصر يتحرك وفقًا لقوانين الطبيعة دون استخدام العقل.
  • هذا النوع من الوجود يمنح البشر قيمة منقوصة، لذا لا يمكن الاعتماد على الجسد كأساس لقيمة الشخص.

الثاني

  • يوصف بالوجود العاقل، حيث يُعتبر البشر كذوات مفكرة قادرة على تحقيق عمليات عقلية، وتحديد أهداف خاصة بها.
    • هذا النوع من الوجود يمنح الشخص جماليات تفوق غيره، إلا أنه يكون محصورًا في قيمة المنفعة الخارجية، حيث يسعى الفرد لتحقيق أهدافه على حساب الآخرين، مما يجعل العقل وحده غير كافٍ لتحديد قيمة الإنسان الحقيقية.

الثالث

  • يتمثل في الوجود الأخلاقي، حيث يتصرف البشر وفقًا لمبادئ العقلانية الأخلاقية.
    • هذا النوع من الوجود يمنح الإنسان قيمة لا يمكن تقديرها بثمن.
    • لأن الأفراد يتصرفون وفقًا لمبادئهم، يحترمون كرامة الإنسان، ويعتبرون الآخرين غايات في ذاتها.

المحور الثالث – الشخص بين الضرورة والحرية (وفقًا للقاضي عبد الجبار المعتزلي)

يشير القاضي عبد الجبار إلى أن الشخص يتمتع بالحرية الكاملة ويتحمل مسؤولية أفعاله، حيث يؤكد حرية الشخص في اختياراته.

لديه عقل يرسم ملامح حياته الأخلاقية، مما يمكّنه من التفريق بين الخير والشر دون أي إكراه.

كما أن إنكار الحرية يعني نفي التكليف العقلي والأخلاقي، مما يؤدي إلى التخلي عن المسؤولية والعقاب والثواب.

يعتقد القاضي أن الحرية هي بديهية عقلية ولا تحتاج إلى دليل، وتؤكد أن الناس مسؤولون عن أفعالهم وبالتالي يُمدح المحسن ويُلام المسيء وفقًا لأفعاله.

مفهوم الغير

  • بدأ الاهتمام بمصطلح “الغير” كموضوع فلسفي في العصر الحديث، وبالتحديد في فلسفة هيجل التي تناولت مفهوم “جدلية العبد والسيد”.
  • يمكن تعريف الغير على أنه “الأنا الذي ليس أنا”، أي كائن آخر، يشبه الذات في بعض الجوانب ولكنه يختلف عنها في جوانب أخرى، مما أثار تساؤلات حول وجوده ومعرفته وعلاقته بالذات.

المحور الأول – وجود الغير (طبقًا لديكارت)

يعتبر ديكارت أن وجود الغير هو أمر افتراضي وغير ضروري، حيث تستند فلسفته إلى الذات فقط، وبالتالي لا يمكن استنتاج وجود شخص آخر من دون التفكير في الذات.

فالفلسفة الديكارتية تركز على الأنا المفكر كقوة قادرة على تحقيق الوعي الذاتي باستقلالية تامة.

لذا، فإن وجود الغير يُعد افتراضياً وغير ضروري، طالما أنه لا يتجاوز الحكم العقلاني.

المحور الثاني – معرفة الغير (طبقًا لسارتر)

أكد سارتر أنه لا يمكن معرفة الغير إذا اعتبرناه كذات مستقلة، لأن هذا يتطلب تحويل الغير إلى موضوع أو شيء.

هذا يترتب عليه إنكار خصائص الذات الإنسانية، مثل الوعي والحرية والإرادة.

لذا، تصبح معرفة الغير ممكنة فقط من خلال الاعتبار له كموضوع أو جسد بدلاً من كونه ذاتاً حية.

المحور الثالث – العلاقة مع الغير (وفقًا لأرسطو)

أسس أرسطو العلاقة مع الغير على قيم الصداقة، وخاصة الصداقة المبنية على الفضيلة، مشددًا على أهميتها وثباتها.

تعتبر هذه الصداقة دائمة ولا تتلاشى، حيث تساهم في تعزيز القيم النبيلة وأهمها العدالة.

يوضح أرسطو بالقول: “عندما يحب الناس بعضهم البعض، لا يظل هناك حاجة إلى العدالة”.

تجدر الإشارة إلى أن أرسطو يميز بين نوعين آخرين من الصداقات وهما الصداقة المستندة إلى المتعة والمنفعة، واللتان تزولان مع زوال أسباب وجودهما.

بذلك، يُعتبر موقف أرسطو شاملاً وأخلاقياً، حيث يرتكز على قيم الصداقة المثالية في العلاقة بين الأنا والغير.

Related Posts

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *