التقرب إلى الله من خلال الأعمال التطوعية

التقرّب إلى الله بالنوافل

يعتبر التقرّب إلى الله من خلال النوافل من الوسائل الفعالة لزيادة الإيمان. فالمسلم الذي يؤدي النوافل بعد الفروض يُعبر عن إيمانه الحقيقي، حيث يتجنب الانجراف وراء الأهواء أو الخضوع لشيء يبعده عن رضا الله. إنه يسعى لتحقيق طاعة الله من خلال الأقوال والأعمال، ويستقي رضاه ومحبتة من مصادرها. فيحرص على مناجاة ربه ودعائه، وتلاوة آيات القرآن الكريم مع التأمل في معانيها، والإنابة والتوبة إليه عن الذنوب، والاستغفار. وتتنوع النوافل التي يتقرّب بها العبد إلى ربه، كما تختلف في درجة فضلها، حيث تعتبر السنن الراتبة المرتبطة بالفروض من أعلى أنواع النوافل.

يمكن تقسيم النوافل بناءً على توقيتها إلى نوعين: مقيّدة ومطلقة. فالنوافل المقيّدة ترتبط بأوقات معينة، مثل تحية المسجد وصلاة الضحى، بينما يمكن أداء النوافل المطلقة في أي وقت من الليل أو النهار. بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن تشمل أنواع من التطوع التي لا تُصنف كعبادات بحد ذاتها، مثل البر والإحسان، كإنفاق المال على من لا تجب نفقته، وسداد الديون عن المعسرين، وكتابة الوصايا لغير الورثة، والوقف، والهبة، والقرض الحسن. كما يمكن أن يكون التطوع في العبادات مثل نوافل الصلاة، الصيام، أو الصدقات.

النوافل كوسيلة لنيل محبة الله

تُعتبر نوافل الطاعات والعبادات من أرقى السبل للوصول إلى محبة الله. حيث يسعى المسلم لتوحيد الله وأداء عباداته من صلاة وصيام وزكاة وحج، طامحاً لتحصيل الأجر ودخول الجنة. أما أداء النوافل فليس لمجرد الخوف من العقوبة أو طلب الأجر، بل طلباً لتعزيز القرب من الله تعالى ونيل محبته. إن النوافل غير واجبة ولا تترتب عليها أي عقوبات في حال عدم أدائها كما هو الحال في الفروض، مما يجعلها من أصدق الطرق للوصول إلى محبة الله. ويتعين على المسلم التمسك بالنوافل والاستزادة منها، فهي الطريق الصحيحة لنيل محبة الله، التي تعتبر من أعظم المقاصد وأسمى القربات، حيث إن من أحبه الله نال الخير كله، ومن لم ينله فقد فقد الخير كله.

وقد جاء في الحديث القدسي الذي رواه النبي -عليه الصلاة والسلام- عن ربّه: “ما تقرَّب إليَّ عبدي بشيء أحبَّ إليَّ مما افترضت عليه، وما يزال عبدي يتقرَّب إليَّ بالنَّوافل حتَّى أحبَّه، فإذا أحببتُه كنتُ سمعَه الذي يسمع به، وبصرَه الذي يُبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإنْ سألني لأعطينَّه، ولئن استعادني لأعيذَنَّه، وما ترددتُ عن شيءٍ أنا فاعله تردُّدي عن نفس المؤمن، يكره الموت وأنا أكره مساءتَه.” المؤمن الذي يسعى للنوافل بصدق، ينال محبة الله ومعيته في كل أمر، لذا يُستحسن للمسلم أن يتحلى بإقامة النوافل واستمراريتها.

فضائل المداومة على النوافل

تتجلى العديد من الفضائل في أداء النوافل، ومن أبرزها:

  • المحافظة على الفروض وصيانتها من التقصير. من يحافظ على النوافل سيكون بحكم الحاجة محافظًا على الفروض، لأن تعظيم النافلة يؤدي إلى تعظيم الفريضة. لذا تعتبر النوافل سياجاً يحمي الفرائض.
  • تحصيل الأجر العظيم المتعلق بأداء النوافل. حيث بينت العديد من الأحاديث فضل مختلف نوافل العبادات، مثل حديث النبي -عليه الصلاة والسلام- في فضل صيام ستة من شوال: “من صام رمضان ثم أتبعه بست من شوال فذلك صيام الدهر”. كما أورد الإمام مسلم حديثًا في فضل ركعتي الفجر عن أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- أن النبي قال: “ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها”.
  • مغفرة الذنوب، واستجابة الدعاء، وقضاء الحاجات، وكشف الكربات، وإقالة العثرات، ودخول الجنة. فقد ثبت في الصحيح فضل صيام عرفة وعاشوراء، حيث يقول النبي: “صيام يوم عرفة أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده”.
  • توفير جبر للنقص الذي قد يحدث في أداء الفريضة، كما قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: “أول ما يحاسب به العبد صلاته، فإن كان أكملها وإلا، قال الله عز وجل: انظروا لعبدي من تطوع، فإن وُجد له تطوع قال: أكملوا به الفريضة”.

اهتمام السلف الصالح بالنوافل

اهتم السلف الصالح بأداء النوافل واجتهادهم في الطاعات. فقد ذكر أن ابن الإمام أحمد بن حنبل قال: “كان أبي يصلي كل يوم وليلة ثلاثمائة ركعة، ولما مرض من تلك الأسواط أضعفته، فكان يصلي كل يوم وليلة مئة وخمسين ركعة.” ولاشك أن قيام الليل وإحياؤه من سنن الصالحين، وكانت درجاتهم متفاوتة، فمنهم من كان يقوم الليل كله حيث كان ذلك غذاءً لروحه.

وذكرت بعض الروايات أن بعض التابعين واصلوا أداء قيام الليل أربعين عامًا، مثل سعيد بن المسيب، وصفوان بن سليم، وفضيل بن عياض، ووهب بن منبه. وقد وصف حماد بن سلمة أحد السلف بقوله: “ما أتيناه سليمان التيمي في ساعة يُطاع الله عز وجل فيها إلا وجدناه مطيعًا، إن كان في ساعة صلاة وجدناه مصليًا، وإن لم تكن ساعة صلاة وجدناه إما متوضئًا، أو عائدًا مريضًا، أو مشيعًا لجنازة، أو قاعدًا في المسجد.”

وقال عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: “إن لهذه القلوب إقبالًا وإدبارًا، فإذا أقبلت فخذوها بالنوافل، وإن أدبرت فألزموها الفروض.”

Related Posts

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *