مفهوم الأمانة في العمل
تُعرّف الأمانة على أنها تحمل المسؤولية وتقديم الحقوق إلى أصحابها، فهي تمتاز بكونها مبدأ أخلاقي راسخ يعكس إيثار الحق على الرغبات الشخصية. تعكس الأمانة القيم النبيلة، وتعتبر صفة ضرورية تتعلق بالواجبات الدينية والمعاملات اليومية، وتتناقض مع الخيانة والغش والتزوير.
تشمل الأمانة جميع جوانب التعاملات الدينية والدنيوية، مثل العقود التجارية، حيث يُتوقع من البائع الالتزام بجودة السلع، ومن المشتري الوفاء بالثمن المتفق عليه. كما تسهم الأمانة في العقود الصناعية والزراعية، مما يحمي الجميع من سوء السلوك والغش. يُفضل الفرد الأمين حتى لو لم يكن لديه الكفاءة العالية، لأن أمانته تسهم في صيانة الحقوق المالية وحفظها، وهي تفوق في قيمتها الخائن الذي يحوز الكفاءة لكنه يفتقر للأمانة.
أبعاد الأمانة في العمل
يمكن ملاحظة أمانة الموظف من خلال التزامه بعدد من السلوكيات التي تدل على تقواه وخشيته من الله تعالى في ما أؤتمن عليه من وقت ومال وأدوات. من أبرز تلك السلوكيات:
- الالتزام بتنفيذ الأعمال المطلوبة بدقة وفقًا للمواصفات والشروط دون نقصان أو تعديل يؤثر على قيمتها أو يُكلف صاحب العمل نفقات إضافية.
- القيام بالعمل بنفسه، حيث يتم توظيفه بفضل مهاراته، ولا يُسمح له بتفويض الآخرين فيما أُسند إليه.
- استثمار وقت العمل في المهام المكلف بها، بدلًا من إضاعته في مواضيع جانبية أو لمصالحه الشخصية.
- حماية أدوات العمل، سواء كانت أدوات صناعية أو آلات كهربائية، وعدم تعريضها للتلف أو استخدامها لأغراض غير مخصصة لها.
- الحرص على سمعة المؤسسة وعدم النيل من صاحب العمل أو مؤسسته.
- حفظ أسرار العمل وعدم إفشائها، مما قد يتسبب في خسائر للمؤسسة.
- الالتزام بالتعليمات وعدم التحايل عليها.
- المساهمة في إقامة بيئة عمل تعاونية ومحبّة.
- تجنب كونه سببًا في ترك العملاء للمؤسسة.
أهمية الأمانة في العمل
تتضح أهمية الأمانة في العمل من خلال كونها تندرج تحت قائمة الصفات الحميدة؛ كالصّدق، والوفاء بالعهد، وكتمان الأسرار، والابتعاد عن المال الحرام، والإخلاص في العمل وصاحبه، والرضا بما قسمه الله، وعدم الطمع في أموال الآخرين. الأفراد الذين يتحلون بهذه الصفات هم الأكثر طلبًا من قبل أصحاب العمل، نظرًا لقلة أمثالهم.
وفيما يتعلق بأهمية الأمانة، نجد غير المؤمن يفخر بها، بينما المؤمن يتحلى بها بالفطرة، فهي أول صفة تمتاز بها الأنبياء والمرسلون. ولا يمكن الدعوة إلى الله تعالى إلا من قبل الأمناء، لذلك لا تجد مجالًا من مجالات العمل يخلو من ضرورة وجود الأمين فيه، بينما تُعتبر الخيانة علامة على عدم الصلاح، حتى في مناطق العمل التي يتميز فيها الفرد بالكفاءة.
الأمانة في العمل من السنة النبوية
هناك مجموعة من الأحاديث التي تسلط الضوء على أهمية الأمانة، ومن ضمنها:
- قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: “كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته، والأمير راعٍ، والرجل راعٍ على أهل بيته، والمرأة راعية على بيت زوجها وولده، فكلّكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته.”
يؤكد هذا الحديث على مسؤولية المسلم عن العمل الذي وكل إليه، سواء في كسب المال لأسرته أو رعاية الأبناء، حيث تعد الأمانة في كسب المال لا تقل أهمية عن الأمانة في رعاية الأبناء.
- أراد أبو ذر أن يتولى عملًا عند النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: “يا رسول الله، ألا تستعملني؟” فردّ عليه: “إنك ضعيف، وإنها أمانة، وإنها يوم القيامة خزي وندامة، إلا من أخذها بحقها وأدى الذي عليه فيها.”
يؤكد النبي -صلى الله عليه وسلم- لأبي ذر -رضي الله عنه- أن العمل أمانة تتطلب الأهلية في تأديتها، ومن لم يكن مؤهلاً للقيام بذلك عليه أن يمتنع عن طلب العمل حتى لا يعرض نفسه للخسارة يوم القيامة.
- قال -صلى الله عليه وسلم-: “الخازن الأمين الذي يؤدي ما أُمر به طيبة نفسه، أحد المتصدقين.”
إن كل من وُكّل إليه عمل هو خازن للأدوات والأسرار والسمعة، من يحافظ على هذه الأمانة يُعَدّ كما قال الرسول -صلى الله عليه وسلم- واحدًا ممن يثابون مثل المتصدقين.
- حذّر النبي -صلى الله عليه وسلم- من ضياع الأمانة مذكرًا بأنه لن يتمكن من التظاهر بعدم انكشاف أمره يوم القيامة، حيث قال: “لكل غادر لواء يوم القيامة”.
- كما اعتبر العلامات التي تشير إلى الخيانة من صفات المُنافقين، فقال: “آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان.” حيث يجمع الخائن بين الكذب ونقض الوعد والخيانة.
الأمانة في العمل من القرآن الكريم
توجد العديد من الآيات التي تشير إلى الأمانة وتحثّ على الالتزام بها، ومن أبرزها:
- قال الله -تعالى-: ﴿إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها﴾.
هذا الأمر الإلهي يؤكد ضرورة أداء الأمانة في جميع مجالات الحياة، بما في ذلك الأمانة في العمل، حيث يمثل هذا الأمر واجبًا يتعين على العامل الالتزام به.
- أشار الله -تعالى- إلى وفاء العامل بالعهد كعلامة من علامات التقوى المفضلة لديه، فقال: ﴿بلَى مَن أَوْفَى بِعَهْدِهِ وَاتَّقَى فَإنَّ الله يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ﴾.
- وعد الله -تعالى- بالعقاب لمن يُفرّطون بأمانتهم وعهدهم، حيث قال: ﴿إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنًا قليلاً أولئك لا خلاق لهم في الآخرة ولا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم﴾.