التفريق بين الصلاة الفردية والصلاة في الجماعة

الفرق بين صلاة الفرد وصلاة الجماعة

اتفق الفقهاء المسلمون على أن أداء الصلاة في جماعة يُعتبر أفضل من أدائها بشكل فردي، حيث تتمتع صلاة الجماعة بفضائل تميزها عن الصلاة الفردية، ومن أبرز هذه الفضائل ما يلي:

  • تتميز صلاة الجماعة بكونها تفوق الصلاة الفردية بسبع وعشرين درجة، كما ورد عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: “صلاة الجماعة تفصل صلاة الفذ بسَبْعٍ وعشرين درجة”. وهناك روايات أخرى تشير إلى أنها أفضل بخمسٍ وعشرين درجة، وكل هذه الروايات تؤكد تفضيل صلاة الجماعة على الصلاة الفردية. قد يُجمع بين الروايات على أن الدرجات الأعلى تشمل الأقل، أو أن الله -سبحانه وتعالى- أخبر الرسول بفضل الجماعة ثم أضاف المزيد لتعزيز مكانتها في نفوس المصلين.

كما أشار بعض العلماء إلى أن الدرجات قد تختلف بين المصلين استنادًا إلى استعدادهما للخشوع في الصلاة مع الجماعة. ولعل الأثر الأكبر يظهر في صلاة الجماعة الجهرية، حيث ينال المصلون فيها درجات أعلى مقارنة بالصلاة السريعة، مما يعكس عظمة الأجر المترتب على الصلاة في جماعة والذي لا يُفوت من يدرك قيمته.

  • يكون أداء صلاة الجماعة غالبًا في المسجد، والذهاب إلى المسجد يحمل في طياته ثوابًا كبيرًا؛ إذ إن كل خطوة يخطوها المصلّي في اتجاه المسجد تُعتبر صدقة، وترتفع درجته أمام الله -تعالى- وتُمحى عنه الخطايا. وهذا هو فضل من الله للمسلمين، في حين أن المصلّي المنفرد يفتقد إلى هذا الأجر الميمون. فقد قال -عليه الصلاة والسلام-: “إذا توضأ فأحسن الوضوء، ثم أتى المسجد لا يُريد إلا الصلاة، لا يخطو خطوة إلا رُفعت له درجة، أو حُط عنه بها خطيئة، والملائكة تصلي على أحدكم ما دام في مصلاه الذي صلّى فيه”.
  • تضئ صلاة الجماعة للمسلم طريقه يوم القيامة، حيث يُبشر الله -تعالى- من يسير في ظلمات الليل قاصدًا المسجد أن ينال نور الله الكامل يوم القيامة جزاءً له. بينما يفوت الأجر العظيم من يصلي منفردًا. إذ قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: “بشر المشائين في الظلمات إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة”.
  • تعزز صلاة الجماعة روح الوحدة والتكافل بين المسلمين، وتقوي الروابط بينهم. فهي تُشجع على تنمية روح المحبة والتعاون، حيث يجتمع المصلون من مختلف الطبقات الاجتماعية، فيصطف الكبير مع الصغير، والغني مع الفقير، والحاكم مع المحكوم.
  • تُظهر صلاة الجماعة أهمية شعائر الدين الأساسية، حيث إن أدائها بشكل جماعي يعد تعبيرًا عن عظمة الصلاة ورفعتها، وتعزز مكانة مصلّي الجماعات في مجتمعهم.
  • تحمي صلاة الجماعة المصلين من مكائد الشيطان، إذ شبه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- المصلّي منفردًا بأنّه كالشاة التي ابتعدت عن القطيع، إذ تكون عرضة للافتراس. فتكرار الصلاة بانفراد يُعرضها لمكائد الشيطان.
  • يزيد أجر الصلاة مع الجماعة مع زيادة عدد المصلين، وبالتالي يُفضل للمرء الانضمام إلى جماعة كبيرة، كما قال النبي: “إن صلاة الرجل مع الرجل أزكى من صلاته وحده، وصلاته مع الرجلين أزكى من صلاته مع الرجل وما هو أكثر، فهو أحب إلى الله عز وجل”.
  • يكتب الله -تعالى- للمصلّي في جماعة براءتان؛ براءة من النار وبراءة من النفاق، كما ورد في حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: “من صلى لله أربعين يومًا في جماعة يدرك التكبيرة الأولى، كتب له براءتان: براءة من النار، وبراءة من النفاق”.
  • يُخصص الله -تعالى- فضلًا كبيرًا لمن يُصلي الجماعة في بعض الصلوات، خاصّة صلاتي الفجر والعشاء. فمَنْ صلّى الفجر في جماعة، كان يومه في ذمة الله وحفظه، ولا يضره شيء. ومن جلس يذكر الله بعد الفجر حتى طلوع الشمس يُكتب له أجر حجة وعمرة. أما من صلّى العشاء مع الجماعة فإنه كمن قام نصف ليلة. ولعل من أهم ما يميز صلاتي الفجر والعصر مع الجماعة هو حضور الملائكة، الأمر الذي يُعزز شرف المصلّي.
  • يستمر أجر المصلّي في فترة انتظاره للصلاة كأنه في صلاة، وتدعو له الملائكة ما دام في مجلسه، حيث قال -عليه الصلاة والسلام-: “الملائكة تصلّي على أحدكم مادام في مجلسه الذي صلّى فيه، تقول: اللهم ارحمه، اللهم اغفر له، اللهم تبو عليه”.

حكم صلاة الجماعة

تباينت آراء الفقهاء حول حكم صلاة الجماعة إلى أربعة أقوال رئيسية، وهي:

  • رأي غالبية الحنفية ومعظم المالكية: يرون أن صلاة الجماعة سُنة مؤكدة للرجال، ويستدلون على هذا بأنهم لم يرد عنهم أي حالات ترك لصلاة الجماعة.
  • رأي الشافعية وبعض المالكية: يعتبرونها فرض كفاية، إذا قام بها بعض الأفراد سقطت عن الآخرين. ويستندون إلى حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: “ما مِن ثلاثةٍ في قريةٍ ولا بَدْوٍ لا تُقامُ فيهم الصلاة إلا قد استحوذ عليهم الشيطان؛ فعليك بالجماعة، فإنما يأكل الذئب القاصية”.
  • رأي الحنابلة وبعض الحنفية والشافعية: يرون أن صلاة الجماعة واجبة على كل مسلم بشكل فردي، لكنها ليست شرطًا لصحّة الصلاة. ويستندون إلى قول الله -تعالى-: “وإذا كنتَ فيهم فأقمتَ لهم الصلاة فلتقم طائفة منكم معك”، حيث يتضح من الآية أن الجماعة واجبة حتى في حالة الخوف، مما يجعلها أولى عند وجود الأمان. وقد هدد الرسول -صلى الله عليه وسلم- بإحراق من تخلّف عن صلاة الجماعة. وقد رجح الكثير من العلماء هذا الرأي، وبالتالي يُعتبر تارك صلاة الجماعة آثمًا، لكن صلاته تبقى صحيحة.
  • رأي الظاهرية وبعض الحنابلة: يرون أن صلاة الجماعة شرط لصحة الصلاة، مثل سائر واجبات الصلاة التي لا يجب تركها.

أقل ما تنعقد به صلاة الجماعة

اتفق جمهور العلماء على أن أقل عدد للجماعة هو اثنان، الإمام والمأموم، وذلك لأن الاثنين يُعتبران جماعة. ويستدلون على هذا بقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- للصحابي مالك بن الحويرث: “إذا حضرت الصلاة فأذنّا، ثم أقيمَا، وليؤمّكما أكبركما”. ومع ذلك، لا تصح الجماعة باثنين فقط في صلاة الجمعة وصلاة العيدين. وبالتالي، يمكن للزوج أن يؤمّ زوجته، التي تقف خلفه. ورغم أن الجماعة تصح باثنين، إلا أن الله يُحبذ تزايد عدد المصلين فيها.

لكن بعض العلماء يشترطون أن يكون الإمام والمأموم بالغين، ولا تصح صلاة الجماعة في صلاة الفريضة مع الصبي عند المالكية والحنابلة، لكن تصح مع الصبي عند الحنفية والشافعية. وتصح الإمامة بالصبي في صلاة النافلة؛ حيث كان النبي -صلى الله عليه وسلم- إمامًا لعبد الله بن عباس في صلاة التهجد.

Related Posts

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *