تعريف الاشتقاق في اللغة العربية
تعريف الاشتقاق لغةً
تتفق معظم المعاجم العربية على أن مفهوم الاشتقاق مستمد من الفعل “شَقَقَ” ومصدره “الشَقّ”. يُمكننا القول: شَققتُ العود شقًا، ويشير الشق إلى الفتح أو الفاصل، وقد يُعرف بأنه الموضع المُشقق، وجمعه “شُقوق”. وفقًا لتعريف اللحياني، فإن الشق هو المصدر، ويلفت الانتباه إلى أن بيد فلان ورجله تُظهر “شُقوق” ولكن الشُقاق يُعتبر مرضًا يصيب الحيوانات.
يقال أيضًا: شق الفجر وانشق، أي أن الفجر قد طلع وكأنه شق المكان الذي ظهر منه. يستخدم التعبير “هم بشق من العيش” للدلالة على القسوة أو الصعوبة، كما يظهر في قوله تعالى: “لَم تَكونوا بالِغيهِ إِلّا بِشِقِّ الأَنفُسِ”، إذ يُشير إلى تضحيتهم بجزء من أنفسهم للوصول إلى هدف معين.
تعريف الاشتقاق اصطلاحًا
اصطلاحاً، يُعرّف الاشتقاق بأنه العملية التي يتبعها أخذ كلمة من كلمة أو أكثر، حيث يتم التعرف عليها من خلال تقليب تصاريف الكلمة حتى نعيدها إلى صيغة تُعتبر أصل الصيغ. وفقًا لابن دريد في كتابه “الاشتقاق”، يسعى لإرجاع العديد من الأسماء إلى جذورها اللغوية من خلال الاشتقاق، حيث يُشير إلى أن اسم “محمد” اشتُق من “الحمد”، وهو اسم يُعبر عن كثرة الحمد.
أقسام الاشتقاق في اللغة العربية
لم يكن في بداية الأمر واضحًا للعلماء أن الاشتقاق هو عملية إنشاء فرع من أصل، وقد تم تقسيمه إلى أربعة أقسام رئيسية، هي كما يلي:
الاشتقاق الصغير
يُعرف أيضًا بالاشتقاق الصرفي، وقد عرّفه السيوطي كشكل من الاشتقاق يعتمد على أخذ صيغة من صيغة أخرى، بحيث تتشابك في المعنى والمادة الأصلية والتركيب. تهدف الصيغة الثانية إلى الإشارة إلى معنى الصيغة الأصلية مع بعض الاختلاف، مثل: “حَذَر” من الفعل “حَذِرَ”.
وقد عرّفه عبد الواحد وافي على أنه الربط بين كل أصل ثلاثي بمعنى عام وُضع له، وهذا المعنى يوجد في كل كلمة تتضمن الثلاث أصوات مرتبة بنفس الطريقة الموجودة في أصل الكلمة المستمدة منها.
الاشتقاق الكبير
يُعرف أيضًا بالتقاليب، ما يفرق بينه وبين الاشتقاق الأكبر الذي يُعرف بالنحت. يتميز الاشتقاق الكبير بالتناسب بين اللفظين في المعنى والاتفاق في الأحرف الأصلية، مع تباين في ترتيبها. من أمثلته: “لكم” و”كلم” و”ملك” و”كمل”. كان ابن جني هو الأول الذي عرّف هذا النوع وأطلق عليه اسم الأكبر.
خصص ابن جني فصلًا خاصًا للاشتقاق الكبير، حيث يُشير إلى أن نأخذ أصلًا ثلاثيًا ونوجد له العناصر الأساسية التي تدل على معنى واحد، مثل: (ك ل م) حيث ينشأ منه كَلِم، و(م ل ك) حيث يشتق منه مَلِك، و(ك م ل) حيث يُشتق منه كَمَلَ، وتُظهر هذه الصيغ جميعًا دلالات على القوة.
الاشتقاق الأكبر
أضاف السكاكي قسمًا يُعرف بالاشتقاق الأكبر، وهو مختلف عن قسم “الاشتقاق الأكبر” الذي عرّفه ابن جني. يمتاز هذا الاشتقاق بالإبدال اللغوي، وقد أضاف بعض المحدثين قسمًا رابعًا يُسمّى الاشتقاق الكُبَّار، وهو الذي يُعرف بالنحت.
الاشتقاق الأكبر هو الترابط بين الأصوات في المجموعات الثلاثية مع معانٍ معينة تكون مرتبطة بنوع وترتيب هذه الأصوات، سواء تم الحفاظ على الأصوات أو استبدالها بأخرى مشابهة. كما يعني الاشتقاق الأكبر أيضًا وجود اتفاق في نوع الحروف عندما تقترب مخرجاتها أو تلتقي جميع الصفات ما عدا الإطباق، مثل: تناوب الميم والنون، وكما في: “امتقع” و”انقع”، وتباين النون واللام كما في “أسود” و”حالك”.
الاشتقاق الكبار
يُعرف أيضًا بالنحت أو الاختزال، وتسمية الكُبَّار تعود إلى بعض المحدثين حيث تعني أخذ كلمة من كلمتين أو أكثر، مع ضرورة أن يتناسب معنى الكلمة المُشتقة مع الكلمتين الأصليتين.
قام العلامة عبدالله أمين بتقسيم الاشتقاق الكُبَّار في كتابه “الاشتقاق”، وقد عمل محمد حسن حسن جبل كقائم بحث على إضافة قسم خامس يُعرف بالاتباع في كتب اللغة، مثل “حَسَن بَسَن”، ولم يُذكر هذا القسم من قِبَل أحد آخر.
يتم ذلك من خلال أخذ كلمتين أو أكثر، ويتم إزالة حرف أو أكثر من بينهما، ثم يتم تجميع ما تبقى من أحرف كل كلمة لصياغة كلمة جديدة تحتوي على بعض الأحرف من الكلمات الأصلية، مع استعراض معانيها، مثل “حمدل” في عبارة “الحمد لله”. وقد قسم العلماء النحت إلى أربعة أقسام، على النحو التالي:
- النحت الفعلي
وهو نحت فعل من الجملة يشير إلى النطق بها أو يدل على حدوث ما تحتويه، مثل: “بسمل” بمعنى “بسم الله الرحمن الرحيم”.
- النحت الاسمي
وهو نحت اسم من كلمتين كما في “الجلمود” التي تعني الصخر، وهي مكونة من “جلد” و”جمد”، وكذلك “حبَقُر” الذي يُمثل البرد ويعود إلى الكلمتين “حَبُّ قُرّ”.
- النحت الوصفي
وهو صياغة كلمة من كلمتين تدل على صفة معينة، مثل “الضبطر” للدلالة على الرجل القوي من “ضبط” و”ضبر”.
- النحت النسبي
وهو الربط بين الأشخاص أو الأشياء إلى مدينتين أو رجلين، مما يؤدي إلى نحت اسم مشتق واحد، مثل “تيلمىّ” والتي تشير إلى “تيم الله”، و”مرقشي” نسبةً إلى امرئ القيس.
شروط الاشتقاق في اللغة العربية
لتأكيد صحة الاشتقاق، وضع علماء اللغة مجموعة من الشروط، كما على سبيل المثال ما ذكره الشيخ التهانوي حول شروط الاشتقاق واختلاف الآراء حوله، والتي تنص على:
- أن يكون له أصل؛ لأن الاشتقاق هو عملية فرعية تعتمد على لفظ آخر، فإذا كان الأصل غير مشتق من غيره، فلن يُعتبر اشتقاقًا.
- أن تتناسب الحروف المكونة للمشتق مع الأصل؛ لأن عملية الأخذ لا تكتمل بدون توازن بين الأصالة والفروع، ويجب أن تكون أيضاً متطابقة من حيث الحروف الأصلية.
- أن يتوافق كلاهما بالمحتوى، سواء كان ذلك بالتوافق أو عدمه.
أصل الاشتقاق: الاسم أم الفعل؟
تباينت الآراء بين علماء اللغة حول الأصل الذي يُشتق منه اللفظ، حيث ذُكرت العديد من وجهات النظر، منها أن المصدر هو الأصل وهذا هو رأي الأغلبية من البصريين، بينما يعتبر جمهور الكوفيين أن الفعل هو الأصل للمصدر وبقية المشتقات. وعُرف السيرافي برأيه القائل أن المصدر هو أصل الفعل فقط، وأن الفعل هو الأساس لبقية المشتقات.
أما ابن طلحة فقد رأى أن المصدر والفعل هما أصلان، وليس أحدهما مشتقًا من الآخر، في حين اعتبر الزجاجي أن كل لفظ هو مشتق. ويتبنى الرأي الأكثر شيوعًا فكرة أن المشتقات ليست ذات أصل واحد، بل تفاوت العرب في اشتقاق الكلمات بين الأفعال والأسماء، حيث كانت الاشتقاقات من الأفعال أكثر وفرة.
الاشتقاق بين السماع والقياس
توافق أهل اللغة على أن الاشتقاق يعتمد على القياس، حيث استخدم العرب الاشتقاق لكلمات معينة، كما يُظهر مثال “الاجتنان” الذي اشتُق منه اسم “الجن”، مع دلالتهما على مفهوم الستر. العرب تُشير لدروعهم على أنها “جُنّة”، وتُظهر عبارة “هذا جنين” أي أنه في بطن أمه أو مدفون، حيث يرتبط الإنس برؤية الشيء، كما يُظهر استعمال “أنسْتُ” بمعنى رأيته.
ترتبط هذه المفاهيم بما ذُكر عن التوقيف، بمعنى أن المعرفة القائمة تشير إلى أن “الاجتنان” تعبر عن الستر، وهذا يعكس أيضًا الصلة بين كلمة “الجن”. اليوم، لا يمكننا ابتكار أو صياغة كلمات مختلفة عن تلك المعروفة لدى أهل اللغة، كما لا يمكن قياس الكلمات غير المقاسة، حيث يؤدي ذلك إلى إفساد اللغة والحقائق اللغوية.
فوائد الاشتقاق في اللغة العربية
يمكن تلخيص بعض فوائد الاشتقاق وأهميته في النقاط التالية:
- معرفة معاني الأسماء التي قامت العرب بنقلها ولم يُعرف أصلها.
- الاستمتاع بجمالية اللغة العربية الناشئة عن التجاور الصوتي، مما يخلق دلالات معينة.
- حماية اللسان العربي من الذوبان والاختفاء.
- فهم أسرار الأمم وأصول لغاتهم.
- تمييز الفصيح من الدخيل في اللسان العربي.
- نمو اللغة وزيادة الثروة اللفظية.
آراء العلماء حول الاشتقاق
تعددت آراء العلماء حول مفهوم الاشتقاق، ومن أبرزها:
- تمّام حسان
استعرض في كتابه “اللغة العربية، معناها ومبناها” مفهوم الاشتقاق، مشيرًا إلى أن هناك علاقة تربط الكلمات المُختلفة الأشكال التي تشترك في ثلاثة أصول أساسية.
- المعجميون
يرون أن الهدف من الاشتقاق ليس مجرد الصيغ، بل أنه قد يتجلى من خلال كلمات، ويظل احتمالًا نظريًا يمكن التحقق منه عند الحاجة.
- عبد الله أمين
عرّف علم الاشتقاق في كتابه “الاشتقاق” بأنه عملية أخذ كلمة من أخرى أو أكثر، بحيث تتاخصص المأخوذ والمصدر في المعنى واللفظ، مُشيرًا إلى الأقسام المختلفة للاشتقاق.
- إبراهيم أنيس
تناول في كتابه “من أسرار اللغة” أهمية الاشتقاق كوسيلة لنمو اللغة، مشددًا على أن العلاقة بين القياس والاشتقاق هي علاقة وثيقة.
أمثلة على المشتقات في اللغة العربية
وفيما يلي أمثلة متنوعة على المشتقات:
- خيرُ الناس أنفعُهُم للناسِ. (صفة مشبهة)
كلمة “خير” هنا هي مبتدأ مرفوع والناس مضاف إليه مجرور.
- إنَّ كاتبَ المقالةِ مثقفٌ. (اسم فاعل)
تشير “كاتب” إلى اسم إن، وهو منصوب.
- الكريمُ مُحترمٌ قدرُهُ. (اسم مفعول)
“محترمٌ” هو خبر مرفوع.
- خرجتُ إلى المسجد. (اسم مكان)
و”المسجد” اسم مجرور.
- قال تعالى: {سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ}. (اسم زمان)
كلمة “مطلع” هنا مجرور ومضاف إلى “الفجر”.
يستنتج مما سبق أن الاشتقاق يعد حجر الزاوية لأسس تكوين الكلمات وقاعدة أساسية لتحديد الوظائف النحوية، وهو موضوع حيوي متكرر في مجالات نحوية متنوعة مثل المفعول المطلق والحالة والتمييز والخبر؛ لذا فإن دراسة الاشتقاق تحظى بأهمية كبيرة.