الخمس غيبيات في سورة لقمان
أوضح النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- مفاتيح الغيب التي لا يعلمها إلا الله -تعالى-، حيث قال في حديث رواه ابن عمر -رضي الله عنه-: (مفتاح الغيب خمس لا يعلمها إلا الله: لا أحد يعلم ما يحدث غداً، ولا ما في الأرحام، ولا يعلم أحد ماذا سيوفر غداً، وما تدري نفس بأي أرض تموت، وما يدري أحد متى ينزل المطر).
تشير هذه النقاط -التي ذكرها الرسول الكريم- إلى الغيبيات الخمس التي ذُكرت في نهاية سورة لقمان، حيث قال الله -عز وجل-: (إِنَّ اللَّـهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسَبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّـهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ).
كما قال -تعالى- في سورة الأنعام: (وَعِندَهُ مَفاتِحُ الغَيبِ لا يَعلَمُها إِلّا هُو وَيَعلَمُ ما فِي البَرِّ وَالبَحرِ وَما تَسقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلّا يَعلَمُها وَلا حَبَّةٍ في ظُلُماتِ الأَرضِ وَلا رَطبٍ وَلا يابِسٍ إِلّا في كِتابٍ مُبينٍ).
مفاتيح الغيب الخمسة
اختص الله -تعالى- بهذه المفاتيح لنفسه، ومن الجلي أن العلم محيط بكل شيء في السماوات والأرض. قد يعرف بعض المخلوقات جوانب معينة، ولكن لا يمكنهم الإحاطة التامة، فالغيبيات الخمس التي حددها الله -تعالى- هي من الغيب المطلق الذي يظل بعيداً عن إدراك البشر.
أما قوله -تعالى-: (وَما تَسقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلّا يَعلَمُها وَلا حَبَّةٍ في ظُلُماتِ الأَرضِ وَلا رَطبٍ وَلا يابِسٍ إِلّا في كِتابٍ مُبينٍ)، فهو يعكس الغيب النسبي، الذي قد يدركه بعض خلق الله لمن توفرت لديهم أدوات المعرفة والمشاهدة.
مفتاح علم الساعة
بيّن الله -عز وجل- في عدة آيات من كتابه الكريم أن علم الساعة، أي يوم القيامة، هو علم خاص به -سبحانه-، ولم يُطلِع عليه أحداً من رسله أو ملائكته، كما ورد في قوله -تعالى-: (يَسْأَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ اللَّـهِ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيبًا).
وقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لجبريل -عليه السلام-: (مَتَى السَّاعَةُ؟ قالَ: ما المسؤول عَنْهَا بأَعْلَمَ مِنَ السَّائِلِ). لذا، لا يجوز الانشغال في تحديد وقت وقوع الساعة، بل ينبغي الإيمان بها والاستعداد لها.
مفتاح نزول الغيث
قال الله -تعالى-: (وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ)، وقد علم الله متى وأين وكيف ينزل الغيث. لا يتعارض هذا مع التنبؤ بنزول المطر في نشرات الأرصاد الجوية، لأن نزول الغيث هو علم مطلق لله -تعالى-، في حين أن التنبؤ يعتمد على معطيات ماضية مثل سرعة الرياح والغيوم ودرجات الحرارة، ومع ذلك تبقى هذه التوقعات في إطار الظن.
مفتاح الذرية
إن الله -تعالى- هو الوحيد الذي يعلم ما يحدث في الأرحام، فهو الخالق والبارئ. قال -تعالى-: (لِلَّـهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَن يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَن يَشَاءُ الذُّكُورَ* أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَن يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ).
لذلك، فإن علم البشر بجنس المولود هو معرفة قائمة على الملاحظة، وليس من علم الغيب، فالله هو الوحيد الذي يعلم متى يكون الحمل ومتى يستمر أو ينقطع، كما قال -تعالى-: (وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنثَى وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ).
مفتاح الكسب
يبقى الإنسان في حالة سعي دائم نحو النجاح والرخاء، ومع ذلك يظل متسائلاً عن مصيره في الدنيا والآخرة، فقد يواجه الفشل حينما لا يتوقع، لذلك يجب على الإنسان أن يعمل جاهدًا لإرضاء الله -تعالى- حيث أن العواقب بيده وحده.
وقد أوضح الله -عز وجل- لنبيه -صلى الله عليه وسلم- أنَّه بشر مثلهم إذ قال: (قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلاَ ضَرًّا إِلَّا مَا شَاء اللّهُ).
مفتاح الأجل
علم الله -تعالى- بمقدار ونهاية عمر الإنسان ومكان موته هو أمر مٌسند إليه وحده. فقد تأتي اللحظة التي ينتقل فيها الإنسان إلى مكان غير مكانه الأصلي بناءً على قدَر الله -تعالى-.
يجب على البشر أن يبذلوا قصارى جهدهم في الأعمال الصالحة، لأنهم لا يعلمون متى يحل الأجل، فعليهم التحلي بحسن العمل والإخلاص لله -تعالى- في كافة أمورهم.