فهم الذاكرة في علم النفس

دور الذاكرة في علم النفس

تناول علم النفس بشكل شامل موضوع الذاكرة، من خلال فرعٍ معروف يدعى علم النفس المعرفي، الذي يُعنى بدراسة العمليات العقلية بأنواعها ومستوياتها المختلفة، مثل الفهم، والتذكر، والتعلم، والاستيعاب. كما يستكشف هذا العلم كيفية معالجة المعلومات والمعرفة، والوسائل التي يحتاجها الدماغ لإتمام العمليات المختلفة مثل الحفظ والإدراك. بمعنى آخر، يُعنى هذا المجال بكيفية معالجة المعلومات، تخزينها، وأساليب استرجاعها لمواجهة تحديات الحياة اليومية والتجارب المتعددة.

تعريف الذاكرة

بصفة عامة، تقوم الذاكرة بتخزين المعلومات واسترجاعها عند الحاجة. يمكن تفسير تعريف الذاكرة وفقًا للنطاق الذي يتم استخدامه فيه، ففي العلوم الفسيولوجية والعصبية، تأخذ الذاكرة شكل القدرة على استقبال المعلومات والتجارب، وتخزينها، والحفاظ عليها، استعدادًا لاسترجاعها عند الحاجة.

في علم النفس، يُنظر إلى الذاكرة على أنها القدرة على تعديل السلوكيات بناءً على الخبرات التي يمر بها الفرد. وتوضيحًا، يمكن تعريفها على أنها عملية معرفية عقلية تختص بتخزين وحفظ المعلومات والخبرات والمواقف التي يتعرض لها الإنسان، بهدف استرجاعها عند الحاجة. يعمل نظام الذاكرة على استرجاع المعلومات المطلوبة بعد فترات زمنية سواء كانت قصيرة أو طويلة. من المهم الإشارة إلى أن مفهوم الذاكرة أوسع من مجرد عملية التذكر، حيث تتضمن هذه العملية مجموعة من الأنشطة التي تقوم بها الذاكرة.

مكونات الذاكرة الإنسانية

أظهرت الدراسات في مجالي النفس والعلم العصبي أن هناك أشخاصًا يتمكنون من أداء بعض الأنشطة التي تتعلق بأنواع محددة من الذاكرة. في المقابل، أظهرت الأبحاث أيضًا حالات الاضطراب أو الفشل لدى بعض الأفراد في تنفيذ أنشطة تخص فئات أخرى من الذاكرة. أدت هذه الأبحاث إلى تحديد وتعريف العديد من أنماط الذاكرة، مثل: الذاكرة قصيرة المدى، الذاكرة طويلة المدى، الذاكرة الدلالية، الذاكرة المعرفية، والذاكرة الإجرائية، وغيرها. وقد برزت العديد من النماذج الأساسية لترتيب الذاكرة، حيث ظهر في نهاية الستينيات نموذج نهائي يفرّق بين الذاكرة حسب زمن المعلومات أو الخبرات إلى ثلاثة مكونات رئيسية: الذاكرة الحسية، الذاكرة قصيرة المدى، والذاكرة طويلة المدى.

الذاكرة الحسية

تُعتبر الذاكرة الحسية المرحلة الأولى في عملية استقبال المعلومات والمدخلات الحسية من العالم الخارجي، حيث تتلقى هذه الذاكرة عددًا هائلًا من الخصائص المتعلقة بالمثيرات المحيطة التي يتفاعل معها الإنسان عبر حواسه. كل نوع من المستقبلات الحسية يتخصص في التعامل مع نوع معين من المثيرات؛ فالمستقبل الحسي البصري على سبيل المثال يتلقى الخبرات البصرية، بينما المستقبل الحسي السمعي يتعامل مع الأصوات.

تتمثل الوظيفة الأساسية لهذه الذاكرة في نقل صورة دقيقة للعالم الخارجي بجميع تفاصيله، مما يمثل الواقع بشكل مطابق وحقيقي. ما تخزنه الذاكرة الحسية يتكون من انطباعات وصور تعبر عن مثير معين، وتتميز المستقبلات الحسية بسرعتها العالية في نقل الصور الخارجية، مما يعزز سرعة الاستجابة السلوكية تجاه هذه المثيرات.

الذاكرة قصيرة المدى

تُعنى الذاكرة قصيرة المدى بتسجيل الأحداث والوقائع بشكل مؤقت، كحفظ رقم هاتف سمعه الفرد في مكان عام. تميل الذاكرة قصيرة المدى إلى التلاشي سريعًا ما لم يُبذل جهد كبير لاسترجاعها، فهي تعتبر المرحلة التالية بعد الذاكرة الحسية، وتعمل كخزانة لحفظ المعلومات لفترة زمنية قصيرة تتراوح بين 5 إلى 30 ثانية.

تركز وظيفتها على إجراء تغييرات أولية على المعلومات، حيث تنتقل الخبرات التي تم التركيز عليها من الذاكرة الحسية إلى الذاكرة قصيرة المدى لفهم معانيها، بالإضافة إلى تقييم مدى أهمية المعلومات وتحديد ما إذا كان ينبغي الاحتفاظ بها في الذاكرة طويلة المدى.

الذاكرة طويلة المدى

تتميز الذاكرة طويلة المدى بأنها خزّان دائم للمعلومات بأصنافها المتعددة، بداية من المفاهيم والمعارف النظرية، وتصل إلى الأحداث والنشاطات اليومية الاعتيادية. تُسجل هذه الذاكرة مختلف الخبرات والمواقف التي يمر بها الفرد عبر التدريب أو الممارسة العملية، ولها القدرة على ترميز الخبرات والمواقف بكفاءة عالية، مما يسهل استرجاعها عند الحاجة.

على الرغم من الكفاءة العالية للذاكرة طويلة المدى في تخزين واسترجاع المعلومات، إلا أنها قد تعرض بعض المعلومات للتشويش أو التغيير، ما يُمكن أن يؤثر على دقة المعلومات المخزنة وجودتها.

مراحل الذاكرة وأطوارها

تتألف أي نشاط تقوم به الذاكرة من ثلاث مراحل رئيسية:

  • مرحلة التعلم: تشمل هذه المرحلة فهم الموقف وتحليله وإدراكه، والتعمق في فهمه حتى يتم تخزينه كنتاج هذه العملية الإدراكية.
  • مرحلة تخزين المعلومات: تُعنى هذه المرحلة بالمدة الزمنية التي يمكن للفرد الاحتفاظ خلالها بالتجارب والمواقف خلال فترة قصيرة ضمن الذاكرة قصيرة المدى، أو بشروط انتقالها إلى الذاكرة طويلة المدى.
  • مرحلة الاستخدام الفعلي للذاكرة: تتمحور هذه المرحلة حول عملية التذكر ذاتها، من خلال العمليات المعرفية التذكارية مثل التعرف والاسترجاع، أي استخدام الخبرات السابقة لاستعادة المعلومات بشكل لفظي أو حركي أو بصري.

Related Posts

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *