تعتبر المشكلة الاقتصادية في الإسلام موضوعًا واسع النطاق، حيث يعكس الدين الإسلامي شموليةً تامة تتناول كافة المشكلات التي قد تواجه البشرية عبر العصور، بما في ذلك القضايا الاقتصادية التي تستمر في التأثير على المجتمعات.
سنسلط الضوء في هذا المقال على مفهوم المشكلة الاقتصادية وخصائصها، بالإضافة إلى أساسياتها وفقاً للإطار الإسلامي.
تعريف المشكلة الاقتصادية في الإسلام
قبل التطرق إلى تعريف المشكلة الاقتصادية في إطار الدين الإسلامي، من المهم أن نبدأ بفهم مفهوم المشكلة الاقتصادية بشكل عام، وخصائصها الرئيسة.
تعريف المشكلة الاقتصادية
تُعرف المشاكل الاقتصادية، والتي تُعرف باللغة الإنجليزية باسم Economic Problem، بمشكلة الندرة أو Scarcity Problem. تشير هذه المشكلة إلى التحديات التي تواجه المجتمعات حول العالم، والمترتبة على نقص الموارد الاقتصادية المتاحة لتوفير السلع والخدمات المطلوبة في مختلف القطاعات.
تدرس المشاكل الاقتصادية التفاعل بين الموارد المتاحة في الاقتصاد وبين الأفراد والمجتمعات، وتأخذ بعين الاعتبار احتياجات الإنسان الأساسية مثل الحاجة إلى الغذاء والمأوى والماء.
ينتج عن هذا الاهتمام الدائم بالبحث عن سُبل تلبي احتياجات الإنسان في ظل محدودية الموارد المتاحة، مما يؤدي إلى ظهور الأزمات الاقتصادية.
خصائص المشكلة الاقتصادية
تتميز المشاكل الاقتصادية بعدة خصائص تعد من المرتكزات الرئيسية لعلم الاقتصاد، ومنها:
- تعد هذه المشاكل شاملة، فهي موجودة في كل مكان وفي جميع الأزمنة، كما أنها مستمرة دون انقطاع.
- تتعرض المجتمعات لمشكلات اقتصادية منذ بدء وجودها، مما يؤكد على استمرارية هذا التحدي في المحاور المستقبلية أيضًا.
- تتعلق المشكلة بمفهوم الندرة النسبية، حيث تصبح الموارد شحيحة مقارنة بالاحتياجات البشرية المتزايدة، مما يُلزم الأفراد بالاختيار بين مختلف البدائل المتاحة.
- توجد علاقة عكسية بين وفرة الموارد الاقتصادية واحتياجات العنصر البشري، فكلما زادت الاحتياجات، تظل الموارد في حالة من الشح.
- يُجبر الإنسان على التخلي عن بعض الحاجات من أجل تلبيه حاجات أخرى تعتبر أكثر أهمية، ويعتمد هذا التصنيف على مقارنات يستند إليها الفرد لترتيب أولوياته في استغلال موارده.
أساسات المشكلة الاقتصادية
تنبع المشاكل الاقتصادية من أساسين رئيسيين:
حاجات الإنسان ورغباته
يسعى الإنسان بشكل دائم لتلبية حاجاته ورغباته، التي تُقسم إلى نوعين:
الحاجات الأساسية
وهي الحاجات الضرورية للوجود، مثل المأكل والمشرب والملبس والمسكن.
الحاجات الثانوية
تشمل الكماليات التي يمكن الاستغناء عنها دون تأثير كبير على الحياة، كاستخدام الهواتف الذكية أو الحواسيب.
الموارد
تشمل العناصر اللازمة للإنتاج، والتي تعتبر هبة من الله تعالى للبشر لإنتاج ما يحتاجونه، وتنقسم إلى نوعين:
موارد حرة
وهي تلك الموارد التي لا يمتلكها فرد بعينه، بل تعود إلى الملكيات العامة، مثل الهواء والطاقة الشمسية.
موارد اقتصادية
وهي موارد نادرة تحتاج إلى جهود أو تكاليف للحصول عليها؛ حيث لا تكفي لتلبية احتياجات الإنسان. وتنقسم هذه الموارد إلى:
العمل
حيث يمثل الزمن المستخدم لإنتاج منتج أو خدمة معينة.
الأرض
تشمل الموارد الطبيعية المتاحة مثل المعادن والموارد الزراعية والمائية.
رأس المال
يشمل الأموال والآلات والبنية التحتية اللازمة للإنتاج.
التنظيم
يشير إلى الجهود المتطرفة في تخطيط استخدام الموارد بشكل فعال وأقل تكلفة.
تعريف المشكلة الاقتصادية في الإسلام
يتوافق تعريف المشكلة الاقتصادية في الإسلام مع المفهوم العام لها، حيث يشترك الاثنان في الاعتراف بأن المشكلة تدور حول الاختيارات التي يتخذها الإنسان فيما يخص الموارد المتاحة لإشباع احتياجاته الأساسية. ومع ذلك، يوجد تباين في أسباب نشوء هذه المشكلة.
طبيعة المشكلة الاقتصادية في الإسلام
يرى بعض الفقهاء أن معركة الاختيار بين الموارد النادرة لإشباع الاحتياجات الوفيرة تُعد جانبًا ماديًا من المشاكل الاقتصادية. ومع ذلك، يشدد هؤلاء الفقهاء على الجوانب العقائدية التي تنظم هذه الاختيارات، حيث يجب الالتزام بالأسس الربانية.
إن اختيار الوسائل المادية ليس حرًا بالكامل، حيث يحظر الدين الإسلامي اختيار الأساليب غير المشروعة لنيل المحرمات أو الحصول على حاجات تنافي تعاليم الإسلام.
تحليل عناصر المشاكل الاقتصادية من منظور الإسلام
بالنسبة لندرة الموارد
ينفي الكثير من العلماء المبدأ العام لندرة الموارد ويعتبرون أن المشاكل الاقتصادية تأتي من تصرفات الإنسان وسوء توزيع الموارد.
يُشير هؤلاء العلماء إلى أن العنصر البشري يفتقر غالباً إلى استخدام موارده بشكل صحيح ويتجاهل إمكانياته الفعلية لتحقيق الرفاهية.
يستشهدون بآية قرآنية تؤيد ذلك: “وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها…” صدق الله العظيم.
ومع ذلك، يعترف بعض العلماء بوجود ندرة نسبية، مشيرين إلى أن العالم لا يتضمن جميع الموارد المتاحة، ويتعين على الأفراد القيام بمجهود أكبر للبحث عن الموارد النادرة، بينما يجب استغلال ما هو موجود بفعالية.
وقد دعموا وجهة نظرهم بآية: “ولو بسط الله الرزق لعباده لبغوا في الأرض…” صدق الله العظيم.
بالنسبة للطلب المتزايد على الحاجات
أقر علماء الإسلام بوجود فكرة الحاجات اللانهائية، ولكنهم يعتقدون أنه لا يجب إشباع كل هذه الحاجات، خاصة تلك التي حرمتها الشريعة.
واستشهدوا بآية: “كلوا من طيبات ما رزقناكم ولا تطغوا فيه” صدق الله العظيم، مما يوضح أن إشباع الحاجة في الإسلام يخضع لقواعد وضوابط.
بالنسبة لنظام السوق
يعتقد علماء الدين الإسلامي أن نظام السوق بحد ذاته ليس حلاً للمشكلات الاقتصادية، بل يجب الالتزام بالقيم والمعايير التي وضعها الدين الإسلامي لضمان تخصيص الموارد وتلبية احتياجات المجتمع.
فالاتباع للإرشادات الإسلامية هو الذي سيساعد في حل المشكلات الاقتصادية المتعلقة بتخصيص الموارد وتوفير الاحتياجات الأساسية للإنسان.