ظهور مفهوم السببية في الفيزياء
تعتبر قصة العلم تاريخًا مكثفًا للبحث عن السببية، وتحديدًا في مجال الفيزياء، حيث يمثل فهم السببية حجر الزاوية لعديد من المعارف. إن جميع المفاهيم العلمية تتطلب بشكل شبه كامل معرفة العلاقات السببية للوصول إلى النتائج.
شهدت الفيزياء تطورًا ملحوظًا عبر مرحلتين رئيسيتين: الفيزياء الكلاسيكية والفيزياء المعاصرة، حيث اختلفت مكانة السببية بشكل كبير في كل منهما. فالعلاقة بين السبب والنتيجة تُعتبر الأساس لتفسير الظواهر الفيزيائية.
مبادئ السببية في الفيزياء
جدير بالذكر أن فيزياء نيوتن تركزت حول الأجسام الكبيرة، حيث تصور نيوتن العالم على أنه سطحي، وقد وضع ثلاث قوانين للحركة على النحو التالي:
- يبقى كل جسم في حالة سكون أو حركة ما لم يتم التأثير عليه بقوة خارجية تؤثر في حالته.
- تتناسب كمية الحركة مع القوة المؤثرة على الجسم، وتكون الحركة في الاتجاه ذاته للقوة المؤثرة.
- لكل فعل هناك رد فعل مساوي له في المقدار ومضاد له في الاتجاه.
تعكس هذه القوانين الثلاثة إيمانًا عميقًا بمبدأ السببية والحتمية، حيث لا يحدث تغيير في الكون ما لم يكن له سبب مسبق.
دور السببية في الفيزياء المعاصرة
مع تقدم الفيزياء ودخولها عصر الفيزياء المعاصرة، الذي بلغ ذروته مع عالم مثال آينشتاين، بدأت مفاهيما مثل السببية والحتمية تتجه نحو تغيرات جديدة. تمحورت الفيزياء المعاصرة، أو فيزياء الكوانتم، حول دراسة الذرات والأجسام الصغيرة بما يكفي، مما أظهر أن قوانين حركة هذه الذرات لا تتبع نفس مفاهيم السببية والحتمية التي وضعها نيوتن.
في هذا السياق، تتحرك الذرات بصورة عشوائية، مما يجعل من المستحيل التنبؤ بحركة هذه الجسيمات. لذا، فإن العالم الذي كان يُنظر إليه كآلة متناسقة تطور إلى حالة من العشوائية، مما أفضى إلى تحول مبادئ اليقين والحتمية إلى مفهوم اللايقين.
أهمية فهم السببية عند العلماء
عندما يتناول العلماء دراسة ظاهرة المطر، فإنهم يمتلكون فهمًا أوليًا لهذه الظاهرة، لكنهم يجهلون السبب وراءها. كانت السببية هي العنصر التفسيري وراء وقوع هذه الظواهر، مما يمكِّن الباحثين من استيعابها والتنبؤ بإمكانية حدوثها مستقبلاً. يعتمد العلم كما نعرفه على فهم الظواهر، مما يتيح لهم توقع إمكانية تكرارها في الزمن القادم.
اكتشاف دور السببية في الفيزياء
كان المشهد في الماضي، خلال مرحلة الفيزياء الكلاسيكية التي بلغت أوجها مع نيوتن، حيث كان العلم يُفهم بأنه البحث عن السببية. كان يُنظر إلى السببية كمفهوم مرتبط بالحتمية، حيث اعتُبرت الفيزياء مجالًا لفهم العالم كآلة ميكانيكية دقيقة، حيث كل حركة لتروس معينة تترتب عليها تحركات لتروس أخرى. وبالتالي، على البشر اكتشاف الترس الذي حرك أولاً لفهم دوافع الترس الثاني.