رموز قصيدة “سربروس في بابل”
لقد تميز الشاعر بدر شاكر السياب باستخدام الرموز بشكل مكثف في قصائده، مما يسهم في إيصال الفكرة والمعنى بأسلوب غير مباشر، يعتمد على الجمالية وثراء الدلالة. في ما يلي، نستعرض الرموز المستخدمة في قصيدة “سربروس في بابل” وفقًا لنوعها:
الرمز الأسطوري في “سربروس في بابل”
يميل السياب إلى إدماج الأساطير في شعره، حيث تتضمن هذه القصيدة العديد من الرموز الأسطورية. يبرز عنوان القصيدة ومضمونها الأسطورة اليونانية القديمة “سربروس”، وهو كلب ثلاثي الرؤوس يراقب مملكة الموت، أو العالم السفلي. هذا الرمز يشير إلى الخراب والشر، ويعكس قوى الغرب التي ألحقَت الأذى بالعراق. كما يظهر هذا المعنى في قوله:
:ليعو سربروس في الدروب
:في بابل الحزينة المهدمة
:ويملأ الفضاء زمزمةْ
:يمزق الصغار بالنيوبِ، يقضم العظام
:ويشرب القلوبْ
كذلك، استحضر الشاعر أسطورة تموز، إله الزرع والخصب في بلاد الرافدين، مشيرًا إلى نضرة الحياة في العراق ومرتفعات أمل الشاعر في عودتها. يتمنى الشاعر استيقاظ تموز من سباته، كما يتجلى في قوله:
:أواه لو يفيقْ
:إلهنا الفتيّ لو يبرعم الحقول
:لو ينثر البيادر النضار في السهول
:لو ينتضي الحسام، لو يفجر الرعود والبروق والمطرْ
:ويطلق السهول من يديه، آه لو يؤؤبْ
الرموز الطبيعية في “سربروس في بابل”
استفاد السياب من الرموز الطبيعية في قصيدته، لا سيما الماء، الذي يحمل دلالات متنوعة كالعطاء والأمل، وكذلك الثورة والنهوض في مواجهة الاستبداد. يُظهر المطر قوته في التعبير عن التغيير، بينما تُشير السيول إلى الموت وزوال الحياة. يتجسد رمز الماء كقوة ثورية في قوله:
:لو ينتضي الحسام، لو يفجر الرعود والبروق والمطرْ
:ويطلق السهول من يديه، آه لو يؤؤبْ
الرمز المكاني في “سربروس في بابل”
أدخل الشاعر الرمزية المكانية في قصيدته، مشيرًا إلى العراق باعتباره رمزًا للحضارة والعراقة. يتجلى ذلك في استخدام سربروس كرمز للخراب، بينما تعكس بابل تراث العراق المتميز. عبر عن هذا المعنى بوضوح حين قال:
:لكن سربروس بابل -الجحيم
:يحب في الدروب خلفها ويركضُ
:يمزق النعال في أقدامها، يعضضُ
:سيقانها اللدان، ينهش اليدين أو يمزق الرداءْ
:يلوِّث الوشاح بالدم القديمْ
:يمزج الدم الجديد بالعواءْ
يتضح من هذا أن الشاعر بدر شاكر السياب قد وظف مجموعة متنوعة من الرموز في قصيدته للتعبير عن معانٍ عميقة تذهب لأبعد من تلك التي ترتبط بالرموز بشكل مباشر. لذا، يُعتبر الأسلوب الرمزي من أبرز مميزات الشعر في العصر الحديث.