الذهن الباطن
يُعرف الذهن الباطن وفقاً لعالم النفس الفرنسي بيير جانيت بأنه الجزء المسؤول عن تخزين المعلومات التي تشكل عبئاً على الذهن الواعي. وظيفة الذهن الباطن هي استيعاب المعلومات والاحتفاظ بها، ليقوم بإعادتها إلى الذهن الواعي عند الحاجة. إلا أن هذه الوظيفة لا تشمل معالجة أو تصحيح المعلومات المدخلة، إذ أن الذهن الواعي هو من يتعامل مع استرجاع المعلومات. وبذلك، فإن الذهن الباطن لا يمكنه التفريق بين الخير والشر أو بين الأشياء الإيجابية والسلبية، بل يعمل كخزان للعواطف والمشاعر المرتبطة بتلك المعلومات.
مبادئ الذهن الباطن
ينشط عمل الذهن الباطن أثناء النوم؛ فإذا حلم الفرد بحلم يحمل دلالة خطيرة أو تحذير بشأن موضوع معين، فهذا قد يشير إلى تحذير من الذهن الباطن. لفهم كيفية عمل الذهن الباطن وكيفية الاستفادة منه، يجب أن نكون على دراية بقوانينه واتباعها. وقد حدد العلماء ثمانية مبادئ للذهن الباطن يُنصح بمعرفتها لكل شخص يسعى لتحقيق ذاته، والتي تم تطبيقها من قبل بعض الأفراد في ميادينهم العلمية والعملية، وهي كالتالي:
مبدأ التفكير المتساوي
يمثل هذا المبدأ أن الأمور التي يفكر فيها الفرد تقود إلى رؤية أشياء مشابهة تماماً. فإذا كان الشخص يتأمل في الأشياء التي تحقق له السعادة، فسوف يجد أشياء مثلها تعزز من شعوره بالسعادة.
مبدأ الجذب
ينص مبدأ الجذب على أن الفرد يكون كالمغناطيس؛ حيث يجذب الأشخاص والأحداث التي تتناسب مع طريقة تفكيره. ذلك يتم عبر موجات كهرومغناطيسية غير مرئية تجوب عقله الباطن، كما ورد في الحديث القدسي الشريف: (أنا عند ظن عبدي بي فلظن بي ما شاء). يوضح الحديث أن كل ما يحدث للإنسان من قلق ومشاكل إنما يأتي من نفسه في البداية، لذا من المهم أن يفكر بشكل إيجابي ليبتعد عن الأحداث السلبية والمشكلات.
يُعتبر مبدأ الجذب من أخطر المبادئ، وذلك لأن الطاقة البشرية لا تعترف بمسافات أو أزمنة. فعلى سبيل المثال، إذا كانت أفكار الشخص نحو شخص بعيد، فإن طاقته ستصل إليه ثم تعود إليه بعد ذلك. لذا، كثيرا ما يأسرنا تقاطع الطرق مع أشخاص كنا نفكر فيهم.
مبدأ الاستبدال
لتغيير فكرة معينة، يجب على الفرد استخدام مبدأ الاستبدال. يعني ذلك أنه إذا أراد الشخص اكتساب عادة جديدة أو استبدال فكرة إيجابية بأخرى سلبية، فعليه تكرار هذه المهارة بشكل متواصل حتى تتجذر كعادة لديه. على سبيل المثال، إذا أخبر شخص ما آخر بأنه إنسان سلبي بشكل متكرر، فإنه بذلك ينقل له طاقة سلبية تجعله يتبنى سلوكاً سلبياً. لذا، ينبغي أن يغرس الشخص الأفكار الإيجابية لديه ولدى الآخرين لتجنب التصرفات السلبية.
مبدأ الانعكاس
يعني هذا المبدأ أن العالم الخارجي يؤثر على العالم الداخلي للفرد. فإذا وجه شخص ما كلمة طيبة لآخر، فإن ذلك سيكون له تأثير مباشر على نفس الآخر، مما يؤدي لرد محاكي يتمثل في قول كلمة أو استخدام أسلوب لطيف.
مبدأ التركيز
هذا المبدأ ينبئ بأن ما يركز عليه الفرد سيحصل عليه. أي شيء يركز عليه سيؤثر على حكمه على الأمور، وبالتالي سينعكس تأثير ذلك على مشاعره وأحاسيسه. فإذا ركز الفرد على التعاسة والأمور السلبية، فسيصبح تعيساً؛ وبالعكس، إذا ركز على الأمور التي تجعله سعيداً، فسوف يكون سعيداً. كما يعني هذا المبدأ أن أي شيء تفكر فيه بتركيز وعمق سيتجذر في عقلك الباطن ويصبح سلوكاً دائماً أو خبرة مكتسبة.
مبدأ التوقع
يعني أن ما يتوقعه الفرد سيحدث، ويعتبر توقع الشخص لنجاحه من أهم عوامل نجاحه، شريطة أن يرتبط ذلك بالتفوق والإنجاز. على سبيل المثال، إذا كان الشخص يتوقع التميز، فإن توقعه يعكس ذبذبات تعود إليه في شكل نجاحات. فإذا ذهب شخص لامتحان وكان يتوقع أنه لن يعرف الإجابة، فسوف يفشل فعلاً في ذلك.
مبدأ التحكم والضبط
يفيد هذا المبدأ بأن الفرد يجب أن يأخذ بالأسباب، حيث أن هذا يعتبر من أبرز الأمور للوصول إلى أهداف معينة. قال الله تعالى: (إِنَّا مَكَنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِن كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا فَأَتْبَعَ سَبَبًا)، فإذا لم يسع الفرد في اتخاذ الأسباب، فلن يصل إلى مبتغاه مهما كانت إمكانياته.
مبدأ التراكم
ينص هذا المبدأ على أن أي فكرة يتم التفكير فيها مراراً وتكراراً ستتراكم في الذهن الباطن. على سبيل المثال، من يعتقد أنه مريض ويفكر في الأمر بشكل متواصل سيجد أن ذلك التفكير سيؤدي في النهاية إلى المرض.
مبدأ العادات
يتبع هذا المبدأ مبدأ التراكم؛ حيث أن ما يتراكم في العقل الباطن على مدار الوقت سيتحول إلى عادة دائمة. من الجدير بالذكر أنه من السهل على الأفراد اكتساب عادات معينة، ولكن من الصعب التخلص منها إلا باستخدام مبادئ الذهن الباطن بالعكس تماماً من أسلوب الانغماس فيها.
مبدأ الاسترخاء
الذهن الباطن يعمل بصورة أفضل خلال فترات الهدوء والاسترخاء. على سبيل المثال، عندما يكون الفرد في حالة من العجلة أو الضغط ويرغب في تذكر شيء ما، قد يواجه صعوبة في ذلك بسبب كثافة تفكيره، لذا يجب أن يأخذ بعض الوقت للاسترخاء ليتمكن من تذكر المعلومات أو العناصر التي يحتاجها.
إجمالاً، يُعتبر الذهن الباطن مصدراً لإحداث تغييرات في حياة الفرد. من خلال تدريبه على الأفكار الإيجابية وكيفية التعامل مع المواقف، يمكن للأفراد تحسين نوعية حياتهم، وزيادة ثقتهم بأنفسهم، وتعزيز إنجازاتهم في مختلف جوانب الحياة. لذا، يُنصح بتجنب التفكير في الأمور السلبية والتركيز على الموجبات الإيجابية التي تُسعدهم.
التحكم في الذهن الباطن
يمكن للذهن الباطن أن يؤثر على الشخص من خلال إدراكاته. إذ يتشكل الذهن الباطن من قدرة إدراك الفرد وانتباهه لأشياء معينة. فإن كان الشخص يواجه أزمة وبدأ بترديد عبارات سلبية مثل “أنا ضعيف” أو “أنا فاشل”، فإن الذهن الباطن سيخزن هذه العبارات ويحولها إلى سلوكيات سلبية، مما يجعل الشخص يتبنى شخصية سلبية. على العكس، إذا اعتبر الشخص مشكلته درسا يتعلم منه كيف يحل مشاكله، واستبدل العبارات السلبية بأخريات إيجابية، فإنه سيكون شخصية إيجابية وناجحة. إذن، كلما كان تركيز الشخص وإدراكه للأمور ضمن نهج إيجابي، سيكون لديه القدرة على بناء شخصية مؤثرة وخلق حياة مليئة بالسعادة.
نصائح للوصول إلى الذهن الباطن
هناك العديد من الأساليب والنصائح للوصول إلى الذهن الباطن، ومن أهمها:
- التأمل: يُعتبر التأمل أحد أبسط الطرق؛ لأنه يُساعد على الغوص في أعماق الوعي، حيث ينقل الفرد إلى حالة قريبة من الحلم، مما يؤدي إلى تنظيم عمل الدماغ وإبعاد الضجيج والأفكار العشوائية، وهذه الأخيرة ليست عشوائية بل تمثل أفكار الذهن الباطن.
- الاستماع للإبداع: الاستماع إلى الموسيقى أو الأعمال الفنية يحفز الذهن الباطن ويساهم في تحسين التعبير عنه؛ فالعقل الباطن يفضل الصور والموسيقى على الكلمات، لأن الكلمات تتعلق بالذهن الواعي، لذا من خلال تعزيز الإبداع يمكن أن يفتح الإنسان جسر التواصل مع ذهنه الباطن بشكل أفضل.
- اتباع الغريزة الإنسانية: حينما يواجه الفرد قراراً أو مشكلة، تظهر أول الحلول التي تتبادر إلى ذهنه من عقله الباطن. غالباً ما يكون هذا القرار سريعا، لكنّه صحيح؛ وهو استنباط لإدراك عميق قد لا يتمكن من شرحه في تلك اللحظة.