المجاز
قام الباحثون في علم البلاغة بتفريق مفهوم الحقيقة عن المجاز. فالحقيقة تشير إلى اللفظ الذي تم وضعه أساسًا للدلالة على معنى معين، بينما المجاز يعني اللفظ الذي يُستخدم في غير موضعه الصحيح. يبقى اللفظ على حقيقته ما لم توجد قرينة توضح استحالته. على سبيل المثال، يُشير اللفظ “زهرة” إلى النبات الجميل، وهذا يُعتبر المعنى الحقيقي. لكن إذا قيل “رأيت زهرةً تبكي”، فإن استخدام اللفظ هنا ليس حقيقيًا، إذ إن الزهرة لا يمكن أن تبكي. وقد صنف العلماء أساليب المجاز إلى عدة أنواع:
المجاز العقلي
يُعرف المجاز العقلي بأنه نسبة الكلمة لشيء آخر غير المخصص له في الواقع، ويُحدد العقل هذا الإسناد بناءً على وجود قرينة تمنع دلالته على المعنى الحرفي. ومن الأمثلة على ذلك قول الشاعر:
هِيَ الأُمُورُ كَما شاهَدتُها دُوَلٌ
مَن سَرّهُ زَمَن ساءَتهُ أَزمانُ
ففي هذا السياق، لا يمكن للزمن أن يُسعد الإنسان أو يُحزنه، والعقل يُدرك ذلك لأن السعادة بيد الله تعالى.
المجاز المرسل
المجاز المرسل هو نوع من المجاز حيث تكون العلاقة بين المعنى الحقيقي والمعنى المجازي غير مشابهه. تُعزّز العلاقة في هذا النوع بتوسع استعمال اللغة ولها عدة أشكال، منها:
- السبب: حين يُذكر السبب مع القصد للمسبب، كما في قولنا: “رعت الماشية الغيث”، حيث ترعى الماشية العشب ولكن الغيث هو الذي يُساعد على نموه.
- المسبب: يتضمن ذكر المسبب والإشارة إلى السبب، مثل قوله تعالى: {وَیُنَزِّلُ لَكُم مِّنَ السَّمَاءِ رِزقا}، فإن ما ينزل من السماء هو المطر الذي يكون سببًا للرزق.
- الكلية: يُشير إلى الكل بينما يُراد به جزء، كما في قوله تعالى: {یَجعَلُونَ أصابعهم فِی ءَاذَانِهِم}، إذ المقصود هو جزء من الأصابع وليس الأصابع كلها.
- الجزئية: يُذكر فيه جزء ويُراد به الكل، كقولنا: “شربت مياه النيل”، إذ هو نوع من الإشارة إلى الشرب من جزءٍ من مياه النيل.
الاستعارة
تُعرف الاستعارة بأنها نوع من المجاز الذي تكون فيه العلاقة بين المعنى الحقيقي والمجازي مشابهة. تعتبر الاستعارة تشبيهًا يسمح بحذف أحد طرفي المقارنة (إما المشبه أو المشبه به). ومن الأمثلة على ذلك:
وَأَمْطَرَتْ لُؤْلُؤَاً مِنْ نَرْجِسٍ وَسَقَتْ
وَرْداً وَعَضَّتْ عَلَى العُنَّابِ بِالبَرَدِ
في هذا البيت، يشبه الشاعر بكاء الفتاة بالإمطار، مما يجعل الاستعارة تصريحية، حيث “أمطرت” تُستخدم لتشبيه الدموع بالمطر. وبعد ذلك، يشبه “لؤلؤاً” الدموع باللؤلؤ، وهكذا في بقية الصور الاستعارية مثل “من نرجس” و”سقت ورداً” و”عضت على العناب” و”بالبرد”.
الكناية
تُعتبر الكناية لفظًا يُطلق للدلالة على معنى لازم له، مع وجود قرينة لا تمنع إرادة المعنى الحقيقي. وهذا يعني أنك تذكر لفظًا بهدف الإشارة إلى المعنى الذي يُفترض وجوده مع هذا اللفظ.
ومن الأمثلة على الكناية:
- قولك عن فتاة: “بعيدة مهوى القرط”، وتعني أن القرط في أذنها طويلٌ بما يكفي ليصل إلى كتفيها، وهنا الكناية تتعلق بطول عنقها.
- قولك عن شخص “كثير الرماد”، تشير إلى كرم الجود، حيث إن كثرة الرماد تدل على كثرة الطهي وهو علامة على الكرم.
- قولك عن شخص “كثير الإخوان”، يُعد كناية عن حسن خلقه، إذ أن وجود العديد من الأصدقاء حوله يدل على معاملته الحسنة لهم.