الإعجاز القرآني وفقًا لرؤية عبد القاهر الجرجاني

الإعجاز القرآني وفقًا للجرجاني

تُعد مسألة الإعجاز القرآني من الموضوعات التي حظيت باهتمام العلماء والمفسرين، حيث قام العديد منهم بتأليف مؤلفات تُعنى بهذا الموضوع. وقد قام بعض هؤلاء العلماء بتمييز ظاهرة الإعجاز القرآني من خلال استعراض آيات القرآن الكريم واستخدامها كأمثلة تدل على الإعجاز وتبرز جوانب البلاغة. من بين هؤلاء العلماء، يُعتبر عبد القاهر الجرجاني شخصية بارزة، حيث تناول مفهوم البلاغة من خلال نظريته في النظم.

في كتابه المعروف “دلائل الإعجاز”، استكشف الجرجاني دلالات وأبعاد لغوية وبلاغية عميقة تنم عن عقلٍ مبدع وموضوعي. بدأ الجرجاني مؤلفه بمقدمة واضحة يعبر فيها عن فهمه للإعجاز من خلال توضيحه لمفهوم النظم، حيث يقول: “إن النظم لا يعدو كونه ربط الكلمات بعضها ببعض وجعل بعضها سببًا في الآخر”.

ثم يشرح عبد القاهر الجرجاني معنى الكلمة بأنها تتكون من اسم وفعل وحرف. وقد ركز الجرجاني في دراسته للإعجاز القرآني على موضوع النظم واعتبره جوهرًا لفهم هذه الظاهرة، حيث يتحدث عن العرب الذين نزل عليهم القرآن بقولهم: “قيل لنا: قد سمعنا ما قلتم، فخبرونا عن عجزهم؛ هل كان عن معانيه، أم عن ألفاظ مماثلة؟ فإذا كان عن الألفاظ، فما الذي أعجزهم منها؟ وما الذي أدهشهم؟”.

يتناول الجرجاني في حديثه مسألة العجز الذي واجهته العرب الأوائل، متسائلًا: هل كان بسبب ألفاظ القرآن أم معانيه؟ وقد أشار إلى أن الإعجاز يكمن في تلاقي اللفظ والمعنى وتوافقهما، معتبرًا أن هذا التلاقي يعد أحد أسس الإعجاز في القرآن الكريم وفي اللغة العربية التي يمثلها.

وبالتالي، فإن مكانة الكلمة لا تأتي من ذاتها، إذ لو كان الأمر كذلك لتساوى الكتاب، لكن الإعجاز يظهر في قدرة الكاتب على إيجاد التوازن بين الكلمات والانسجام بين معانيها.

يُظهر الجرجاني مفهومة للإعجاز كمركب يعود بشكل أساسي إلى مسألة النظم، داعيًا المتأمل في إعجاز القرآن الكريم إلى استخدام عقله ليصل بنفسه إلى الخصائص والمزايا التي يتميز بها نَظم القرآن، بدلًا من أن يتبع غيره دون فهم.

مثال على الإعجاز القرآني من منظور الجرجاني

يستند الجرجاني إلى عدة أمثلة لتوضيح مفهوم النظم في الإعجاز القرآني، ومن بين هذه الأمثلة قوله تعالى: (وَاشتَعَلَ الرَّأسُ شَيبًا). يشير الجرجاني في هذا السياق إلى أن الناس عندما يتحدثون عن هذه الآية يتساءلون عن العلاقة بين الاشتعال والشيب، وأوضح أن السياق القرآني يهدف إلى عكس معنى شيوع الشيب في كل الرأس، الأمر الذي يعني أنه قد بلغ جميع أجزائه حتى لم يتبقى منه أي سواد.

يُبيّن الجرجاني أن إعجاز وبلاغة النظم يتجلى في قوله تعالى: (وَاشتَعَلَ الرَّأسُ شَيبًا)، بخلاف إذا قال: “اشتعل شيب الرأس” أو “اشتعل الشيب في الرأس”، حيث إن ذلك يوحي بظهور الشيب في أجزاء معينة من الرأس، مما يقلل من دقة الوصف المراد في الآية، الذي يُظهر للسّامع أن الشيب قد غطّى كل الرأس بتمامه.

نبذة عن عبد القاهر الجرجاني

عبد القاهر بن عبد الرحمن بن محمد الجرجاني، المعروف بأبي بكر، هو مؤسس أصول البلاغة، ويُعتبر من أعلام اللغة المعروفين. له العديد من المؤلفات القيمة، ومن أبرزها: “أسرار البلاغة”، “دلائل الإعجاز”، “الجُمل”، “التتمّة”، “المغني في شرح الإيضاح”، “العمدة في تصريف الأفعال”، و”العوامل المئة”. وقد توفي رحمه الله في سنة 471 هـ.

Related Posts

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *