فضل الصلاة في المسجد النبوي
تعتبر زيارة المسجد النبوي من الأعمال المستحبة، حيث لا يوجد وقت محدد لهذه الزيارة، ولا تتعلق بأداء مناسك الحج أو العمرة. يُستحب الذهاب إلى المسجد النبوي في أي يوم من السنة، استنادًا إلى حديث النبي محمد صلى الله عليه وسلم: “لا تُشَدّ الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجد الأقصى، ومسجدي هذا”. من الأدب المستحب عند زيارة المسجد النبوي أن يُصلى صلاة ركعتين في الروضة، ثم يُسلم على النبي محمد وأبي بكر وعمر، وبعد ذلك يزور البقيع لتقديم التحية للصحابة والشهداء المدفونين هناك ويدعو الله لهم. ويجب على من ينوي الحج أو العمرة أن يهدف إلى زيارة المسجد النبوي فقط، وليس قبر الرسول -عليه الصلاة والسلام-، لأن النية يجب أن تكون لزيارة المساجد الثلاثة دون غيرها.
من فضائل المسجد النبوي أن النبي محمد صلى الله عليه وسلم اعتبر الصلاة فيه خيرًا من ألف صلاة في المساجد الأخرى، باستثناء المسجد الحرام، حيث قال: “صلاة في مسجدي أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام”. كما يُعد المسجد النبوي واحدًا من ثلاثة مساجد تُشد الرحال إليها.
حكم الصلاة في المسجد النبوي مع وجود القبر
الصلاة في المسجد النبوي جائزة بالإجماع، إذ إن المسجد أُسس على تقوى الله. والجدير بالذكر أن النبي لم يُدفن في المسجد ذاته، بل دُفن في حجرة زوجته عائشة، التي تحتضن قبره بجهة محاطة بثلاثة جدران، وهي بعيدة قليلًا عن القبلة. وقد دعت الحاجة لتوسيع المسجد النبوي في عهد الوليد بن عبدالملك، وذلك بإدخال القبر إلى ساحاته.
للمزيد حول حكم الصلاة في المساجد التي تحتوي على أضرحة، يُمكن الاطلاع على المقالة: ((حكم الصلاة في المساجد التي بها أضرحة)).
فضل الصلاة في الروضة الشريفة
أوضح النبي محمد صلى الله عليه وسلم أن هناك مكانًا في مسجده يُعرف بـ”الروضة”، ويقع بين بيته ومنبره، كما ورد في الحديث: “ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة”. ووفقًا لبعض الأحاديث، يقع هذا المكان بين قبر رسول الله ومنبره. وقد ذهب الإمام مالك إلى أن كلمة “قبري” تتعلق بكلمة “بيتي” المذكورة في الحديث، مما يعني أن الروضة تمتد بين بيت النبي (وهو بيت عائشة) ومنبره، وهذا هو الرأي المعتمد والموثق من قبل المؤرخين والعلماء.
اختلف العلماء في مدلول الروضة؛ فعُدّ البعض أن العبادة فيها تُقرب إلى الجنة، بينما رأى آخرون أن هذا المكان يُنقل إلى الجنة في الآخرة. وفي نفس السياق، اعتبر فريق ثالث أن جلوس الصحابة أمام النبي وتعلمهم منه في هذا الموقع يشبه الروضة، وارتبطت الجنة بمدلولها النهائي. لذلك، يسعى المؤمن للصلاة فيها، أما في صلاة الجماعة، فإن المسلم يُستحب له الصلاة في الصف الأول، حيث قال النبي: “خير صفوف الرجال أولها”، وهذا الصف يكون أقرب إلى الإمام.
أحكام زيارة المسجد النبوي
اتفقت آراء غالبية الفقهاء على استحباب زيارة قبر النبي، بينما يرى الحنفية أنها سنة مؤكدة وقريبة من الواجب، ويقول بعض المالكية أنه يجب إتيانها. وبينت الآيات القرآنية، بما فيها قول الله تعالى: “وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّـهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّـهَ تَوَّابًا رَّحِيمًا”، وأيضًا حديث النبي: “من زارَني بعد موتي فكأنما زارني في حياتي”، أهمية زيارة النبي. على زائر المسجد أن يكون حذرًا من بعض المخالفات، مثل:
- السفر بقصد زيارة قبر النبي، فالأصل أن يُتوجه نحو زيارة المسجد النبوي والصلاة فيه، كما بيّن النبي: “لا تُشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، مسجدي هذا، والمسجد الأقصى”.
- عدم زيارة قبر النبي بعد كل صلاة أو عند الدخول والخروج من المسجد، كما يُمنع رفع اليدين بالدعاء عنده أو السلام عليه من بعيد، وسؤال النبي قضاء الحاجات، إذ يعتبر هذا من أنواع الشرك الأكبر.
- زيارة المرأة للقبور، وهي مسألة مختلف فيها بين الفقهاء، لكن يُسمح بها بناءً على حديث النبي: “أتى على امرأة تبكي على صبيٍ لها، فقال لها: اتقي الله واصبري”، حيث لو كانت زيارة المرأة محرمة لنهاها النبي. يجب على المرأة اتخاذ احتياطات معينة عند زيارة القبور، مثل عدم العطر أو الزينة، وألا تختلط بالرجال، وعندما تكون المقبرة بعيدة، يجب أن تخرج مع محرم. ويجب أن يكون قرار الزيارة بمعرفة الزوج، وتُمنع الزيارة على المرأة التي في العدة، بينما يُباح لها زيارة قبر النبي وفق الشروط المذكورة.
سُنن زيارة المسجد النبوي وآدابها
زيارة المسجد النبوي تتطلب مجموعة من السنة والآداب، ومنها: دخول المسجد بالرجل اليمنى، وقراءة دعاء دخول المسجد: “بسم الله، والصلاة والسلام على رسول الله، أعوذ بالله العظيم وبوجهه الكريم وسلطانه القديم من الشيطان الرجيم. اللهم افتح لي أبواب رحمتك”، ثم يكون الخروج بالرجل اليسرى. مِن المُستحب أن يصلي المرء ركعتين ويدعو فيهما ما شاء، والأفضل أن يصليهما في الروضة إذا تمكن من ذلك. يجب زيارة قبر النبي وقبري أبي بكر وعمر، مع تقديم السلام لهم جميعًا، مع الالتزام بالصلاة والسلام على النبي كما قال الله تعالى: “إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا”. يُستحب للمسلم أيضًا استغلال وقته في المحافظة على الصلاة المفروضة في المسجد والإكثار من الذكر والدعاء.
لا يُستحب لمن يزور المسجد النبوي التمسح بالحجرة أو تقبيلها أو الطواف بها، كما يُمنع سؤال النبي قضاء الحوائج لأنها تُسأل من الله وحده، وينبغي أن يتحلى الزائر بالأدب أثناء وجوده في المسجد فلا يرفع صوته. ويُنصح بعدم البقاء لفترات طويلة عند قبر النبي، ومن غير المستحسن الإكثار من السلام عليه لتجنب الزحام. عند مغادرة المسجد، يُستحب أن يُودع بمسجد النبي بالصلاة، ثم يدعو بعدها بما يشاء، قبل زيارة قبر النبي مرة أخرى، داعيًا الله أن يحفظه في طريقه وأن يعود إلى زيارة النبي في صحة وعافية.
المسجد النبوي
المسجد يُعَرَّف في اللغة بأنه المكان الذي يُسجد فيه، أي يُتعبد فيه. بينما يُعرّف المسجد النبوي اصطلاحًا بأنه المسجد الذي أسّسه النبي محمد في المدينة المنورة عند هجرته من مكة المكرمة، ويُعتبر المسجد النبوي واحدًا من أهم الحرمين الشريفين. بعد وصول النبي إلى المدينة، كان يؤدي الصلاة في أي مكان يدركه، وبعد أسبوعين أراد النبي البحث عن مكان مناسب لبناء المسجد لضمان مستقبل الأمة وإدارة شؤونها.
اختار النبي المكان الذي توقفت فيه ناقته أثناء بحثه، وهو موقع يعود لغلامين يتيمين يسكنان عند الصحابي أسعد بن زرارة، وقد كان الموقع مخصصًا لتجفيف التمر. طلب النبي من بعض وجهاء بني النجار الحضور مع الغلامين لشراء أراضيهم. وانطلق النبي يسألهم عما يريدونه ثمنًا لها، ورغم أنهم رفضوا أخذ الثمن، لم يوافق النبي على ذلك، وأعطاهم ثمنًا مناسبًا، ومن ثم بدأ مع الصحابة بناء المسجد، وقاموا بتقطيع النخيل، وتسوية الأرض، وجمعت الحجارة نحو القبلة (التي كانت موجهة نحو بيت المقدس في ذلك الوقت).
كانوا سعداء بمباشرة العمل مع النبي، وتمكن الصحابة من بناء المسجد في اثني عشر يومًا. استخدمت جذوع النخيل كأعمدة، وسُقف المسجد مُغطّىً بالجريد وسعف النخل. كان المسجد مكانًا لتجمع النبي مع الصحابة لمناقشة جميع الأمور الدينية والدنيوية، بما في ذلك الصلاة، والحكم، وإدارة الدولة وتعليم الكتابة والقراءة.