العالم الجليل ابن كثير
ابن كثير هو إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي البصروي الدمشقي. يُكتَب لابن كثير العظمة بصفته عماد الدين، ويُكنَّى بأبي الفداء. وُلِد عام 701هـ في قرية بُصرى شرقي دمشق، وتعلَّم على يد مجموعة من المعلمين، منهم أبو الحجاج المزي، وشمس الدين الذهبي، وشيخ الإسلام ابن تيمية. وقد نهل العلم على يد الحافظ زين الدين العراقي، وابنه أبو زرعة العراقي، وابن الجزري المقرئ. اشتهر ابن كثير بعشقه لعلم التفسير، والتاريخ، والقراءات، وغيرها من الفنون؛ حيث ترك بصمة بارزة في كل علم من العلوم الإسلامية. من أبرز مؤلفاته:
- تفسير القرآن الكريم، المشهور بـ”تفسير ابن كثير”.
- كتبه في الحديث النبوي، أبرزها “جامع المسانيد والسُّنَن”.
- مؤلفاته التاريخية، وأهمها “البداية والنهاية”.
- مؤلفاته في السيرة، من بينها “الفصول في اختيار سيرة الرسول”.
- مؤلفاته في علوم الحديث، وأشهرها “اختصار علوم الحديث”.
- أعماله في الجرح والتعديل، وأبرزها “كتاب التكميل”.
تميز ابن كثير بالعديد من الصفات الحميدة والأخلاق الفاضلة التي جعلته أحد أفضل العلماء عبر العصور. كان يمتلك قدرة عالية على الحفظ، وذاكرة قوية، مع دقة في الفهم واستحضار المواضيع. منح الله -تعالى- ابن كثير روح خفيفة ونفس سوية، حيث كان يهتم بطلبته ويخفف عنهم. كما كان متقيدًا بالحديث والسنة، يتمتع بأخلاق سامية، ويتميز بالحلم وسعة الصدر. كان يدعو للحق ويعدل بين الخصوم، ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر. يذكر أن ابن كثير فقد بصره في آخر حياته وتوفي عام 774هـ.
تفسير القرآن الكريم لابن كثير
يُعتبر تفسير ابن كثير من أبرز التفاسير التي اتبعت منهج التفسير بالمأثور، مستلهمًا منهج الإمام الطبري. كان يفسر القرآن بالقرآن، ويجمع الآيات المتشابهة في مواضيع واحدة لبيان المعنى المنشود. كما كان يذكر ما ينقله عن السنة النبوية بما يتماشى مع تفسير الآية، بالإضافة إلى ما يستشهد به من أقوال الصحابة والتابعين، مع حرصه على الكشف عن الأسانيد الصحيحة والضعيفة وبيان أسباب التضعيف، وترجيح الآراء. كان ابن كثير يتميز بالتنبه للمنكرات الإسرائيلية، محذرًا منها ومبينًا عدم صحتها، وينقد أسانيدها ومتونها. كما تميزت تفسيراته بالسهولة والوضوح، وهو يذكّر أوجه القراءات وإعراب الكلمات بما له صلة بالتفسير، مُعتمدًا على عدد من علماء التفسير الذين سبقوه كابن جرير الطبري، وابن أبي حاتم، وعبد الرزاق، وابن عطية، والفخر الرازي.
ميزات ومنهج تفسير ابن كثير
تعددت الميزات التي تضمنها تفسير ابن كثير، حيث كان أسلوبه بعيدًا عن الحشو والإطالة، واهتم بتفسير الآيات بما يتماشى مع الغرض الرئيس الذي صُنِّف من أجله. كما يتميز تفسيره بشفافية عبارته وسهولة فهمه، حيث يتجنب الإسهاب في المباحث اللغوية كالنحو والصرف والبلاغة مع إتقانه لهذه العلوم. وقد أظهر نهج صحيح في تفسير الأسماء والصفات، مُراعيًا التنزيه دون تحريف أو تشبيه. كما برع ابن كثير في رواية الأحاديث بأسنادها أو بدون، للتركيز على مضمون الحديث، مع الاستدلال بالشواهد اللغوية والشعرية العربية، ودقته في ذكر العلماء وأعلام الرجال الذين تُنسب إليهم المعلومات، حفاظًا على الأمانة العلمية. وكان يعرض الأحاديث بوضوح، موضحًا صحتها وضعفها، بالإضافة إلى تقييمه للرواة.
من الجدير بالذكر أن ابن كثير تناول الإسرائيليات للاستشهاد فقط، وليس للبناء عليها، حيث يُشير إلى الروايات المنقولة من أهل الكتاب، مشددًا على تمييز ما يوافق الشرع من تلك الروايات ويعتبرها صحيحة، وما يخالفها كاذبًا على الإسلام. وقد انقسم ذكره للإسرائيليات إلى ثلاثة أقسام: ما يوافق الشرع، وما يخالفه، وما ليس له وجه من هذا وذاك، وهو ما لم يُذكر في القرآن، وعيبه في كثير من الأحيان لا يأتي بفائدة إضافية سوى إبعاد القارئ عن الفهم الصحيح للقرآن.
أقوال وآراء العلماء حول تفسير ابن كثير
تعددت آراء العلماء حول تفسير ابن كثير، ومن أبرز تلك الآراء:
- قال السيوطي: “ابن كثير تميز في نمط تأليفه للتفسير”.
- أفاد الشوكاني: “أن أنواع الكتابة التي تطرق لها ابن كثير متعددة، وأبرزها التفسير، حيث اجتمع فيه الآثار وآراء العلماء في المسائل الفقهية”.
- أشار الكتاني: “إن تفسير ابن كثير يُعتبر مليئًا بالأحاديث والآثار بأسانيدها، مع توضيح حكم الحديث من حيث صحة وضعفه”.
- ورد عن أحمد شاكر قوله: “إن تفسير ابن كثير يُعتبر من أحسن التفاسير وأكثرها دقة”.