ابن الهيثم
وُلِد عالم الرياضيات والفلك المعروف، أبو علي الحسن بن الهيثم، عام 965 ميلادي في مدينة البصرة وتوفي عام 1040 ميلادي في القاهرة بمصر. يُعَدُّ ابن الهيثم من الشخصيات البارزة في مجال علم البصريات حيث أسهَم بشكلٍ كبير في تطوير المبادئ الأساسية لهذا العلم، وقد أجرى العديد من التجارب العلمية المتميزة. كان ابن الهيثم يُعيل أسرته في مصر عن طريق نسخ المخطوطات، ويملك مؤلفات عديدة تُقسم إلى ثلاث قوائم رئيسية، تشمل سيرته الذاتية بالإضافة إلى نحو 100 عمل آخر.
وفقاً للمؤرخ ابن القفطي، تم استدعاء ابن الهيثم إلى مصر من قبل الخليفة الحاكم بأمر الله ليُثبت ادعاءه بأنه قادر على تنظيم جريان نهر النيل. ولكن، بعد أن قام بدراسة النهر عند الحدود الجنوبية لمصر، أدرك عدم قدرته على تنفيذ مثل هذا المشروع، ما دفعه للقلق على حياته في ظل حكم الخليفة، فتظاهر بالجنون واحتُجز في منزله حتى انتهاء خلافة الحاكم.
مساهمات ابن الهيثم في علم البصريات
غيرت اكتشافات ابن الهيثم في مجال البصريات المفاهيم الخاطئة السائدة خلال القرون الماضية. حيث لاحظ أن الضوء الذي يدخل من ثقب صغير يسير في خطوط مستقيمة ويُكوِن صورة الثقب على الجدار المقابل. بناءً على هذا، عرَّف ابن الهيثم الضوء على أنه جزيئات صغيرة من الطاقة تنتقل في مسارات مستقيمة، مُنبعثة من الشمس بسرعات عالية لكنها محدودة.
توصّل ابن الهيثم إلى أن دخول الضوء إلى العين يمثل الخطوة الأولى في عملية الرؤية، مُشيراً إلى أن الرؤية تحدث عندما تنعكس أشعة الضوء من الأجسام إلى العين. من المهم أن نلاحظ أن أقدم رسم معروف للعيون والأعصاب البصرية موجود في كتاب البصريات الخاص بابن الهيثم، كما قدم العديد من التفسيرات الهامة حول التباين البصري، مثل إدراكه بأن لون الأجسام يتأثر بلون البيئة المحيطة وشرح سبب عدم رؤية النجوم خلال النهار، ويعود ذلك إلى التباين في مستويات السطوع.
أجرى ابن الهيثم دراسات حول العدسات أثناء سعيه لتحقيق أدلة تدعم أبحاثه، حيث قام باستخدام أنواع مختلفة من المرايا بما في ذلك المستوية والكروية والاسطوانية والمقعرة والمحدبة. توصل إلى نتائج واضحة تفيد بأن الأشياء التي تُرى عبر انكسار الضوء في مواد سميكة مثل الماء والزجاج تظهر أكبر من أبعادها الحقيقية، وقد أسفرت أبحاثه عن فهم دقيق لكيفية عمل العدسات، وأهميتها في تكبير الصور، مما كان له دور أساسي في اختراع النظارات في أواخر القرن الثالث عشر.
شدد ابن الهيثم على أهمية التجربة في التحقق من صحة الافتراضات النظرية، إذ أدرك أن الحواس قد تخطئ. لذلك، أوجد طرقًا للتحقق والاختبار لكشف حقيقة الظواهر الطبيعية، وتُعَدُّ هذه المنهجية إحدى اللبنات الأساسية للمنهج العلمي المعاصر. وبرز كتابه “المناظر” الذي يتألف من سبعة مجلدات حول علم البصريات، والذي ألفه أثناء سجنه بين عامي 1011 و1021م، كواحد من أكثر الأعمال تأثيرًا في مجالات الفيزياء، مما جعله يُعتبر أبو البصريات الحديثة.
أثر ابن الهيثم في العلوم بعد وفاته
تمت ترجمة كتاب “المناظر” إلى اللغة اللاتينية، وانتشرت نسخه في أرجاء أوروبا، مما أثرى العديد من المفكرين الغربيين، بما في ذلك روجر بيكون، ويوهانس كيبلر، وجاليليو، ونيوتن. على سبيل المثال، أكّد بيكون صلاحية منهج ابن الهيثم في إجراء التجارب ودعمه لتحصيل المعرفة حول العالم الطبيعي، مُشيراً إلى أنه يعد من أصدق الطرق لفهم العالم المادي.
يعتبر الدكتور محمد عبد السلام، الحائز على جائزة نوبل في الفيزياء، ابن الهيثم من أعظم الفيزيائيين الذين قدموا إسهامات مرموقة في علم البصريات. كما أضاف أن تفسير ابن الهيثم للضوء وانتقاله قد كان بمثابة نبوءة لمبدأ فيرما للوقت قبل عدة قرون، بالإضافة إلى شرحه لقانون القصور الذاتي، الذي أصبح لاحقًا قانون نيوتن الأول للحركة.
تركت إسهامات ابن الهيثم تأثيرًا عميقًا حتى بعد وفاته ليس فقط بسبب أعماله في البصريات، ولكن أيضًا بسبب إدراكه لقوة المنهج العلمي، الذي لا تزال له مساهمة كبيرة حتى اليوم. وفقًا للعديد من المؤرخين، يُعَدُّ ابن الهيثم مؤسس العلم الحديث، حيث أعاد تعريف مصطلح “البصريات” وأكد أنّ التجارب العلمية تُعتبر معياراً لإثبات صحة النظريات. وبالتالي، فإن الحقائق التي اكتشفها ليست مبنية على نظريات مجردة، بل تستند إلى أدلة تجريبية ومنهجية قابلة للتكرار.