ما هي الحكمة من يُتم النبي؟
اختار الله -تعالى- أن ينشئ نبيه -عليه الصلاة والسلام- كمكان يتيماً، وتتنوع الحِكَم التي تعود لذلك، منها:
- تجنب الشكوك والاتهامات بأن الدين قد كان نتيجة توجيه وتربية الأب أو الجد، خصوصاً أن جدّه عبد المطلب كان من أعلام قريش وأسيادهم.
- إبعاد النبي -عليه الصلاة والسلام- عن التوجه نحو مجد الجاه والمال أو التأثّر بهما، مما يساعد على تحييد الفهم الخاطئ بين الناس حول النبوة وجاه الدنيا، فقد تربى يتيماً تحت رعاية الله -عز وجل-.
- تقديمه كنموذج حي للأيتام، كما جاء في قوله -عز وجل-: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ)، بحيث يشعر اليتيم أن الله -تعالى- اختار له ما اختاره لنبيّه، مما يعزز صبره ويجعله يقتدي بنبيّه -صلى الله عليه وسلم-.
- التحمل والقوة منذ الصغر، بما يمكنه من تحمل مسؤولية دعوة البشرية مستقبلاً، حيث عايش النبي -عليه الصلاة والسلام- ظروف الفقر وكونه يتيماً، ورعت الغنم، فقد قال -صلى الله عليه وسلم-: (ما بعث الله نبياً إلا ورعى الغنم، فقال أصحابه: وأنت؟ فقال: نعم، كنت أرعاها على قَرارِيطَ لأهل مكة)، وهذا ساعده في اكتساب صفات متعددة لا يمكن تحصيلها في حال لم يكن يتيماً، مثل سعة الصدر واهتمامه برعيته.
- تربية الله -تعالى- لنبيّه وتوجيهه بعيداً عن عبادة الأصنام والمحرمات التي كانت موجودة في مجتمعه، وشُهد له بالسمات الحميدة، حيث قال -تعالى- في حقه: (أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى* وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى* وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى).
النبيّ اليتيم ونشأته
وفاة والد النبي
سافر عبد الله، والد النبي -عليه الصلاة والسلام- في رحلة تجارية لقريش، إلا أنه مرض وتوفي في المدينة وهو غير باقي على الدنيا، وكان النبي -عليه الصلاة والسلام- حينها في بطن أمه. وُلد النبي -عليه الصلاة والسلام- يوم الاثنين في شهر ربيع الآخر، وقد ألهم الله -سبحانه وتعالى- أمه آمنة وجدّه عبد المطلب أن يطلقا عليه اسم محمد، لما تحمله من صفات الخير وكثرة الحمد.
رضاع النبي في صحراء بني سعد
بعد أن أرضعته أمه، قامت بتركه عند ثويبة، ثم ذهبت به إلى حليمة السعدية ليصبح في كفالتها، كما كان من عادة العرب في إرسال أبنائهم إلى مراضع البادية، ليحيوا فصحاء ويكون لديهم جسد قوي. وعندما وقعت حادثة شق الصدر، أُعيد إلى أهله، وظل تحت رعاية جده وأم أيمن بركة الحبشية.
وفاة والدة النبي
عندما بلغ النبي سن الخامسة، أخذته أمه لزيارة أقارب جدّه من بني النجار في المدينة، وفي أثناء عودتهم إلى مكة، مرضت أمه مرضاً شديداً وتوفيت في منطقة الأبواء، ودُفنت هناك.
كفالة جد النبي وعمه له
بعد وفاة والدته، انتقل للنمو في ظل جدّه عبد المطلب، الذي أحسن تربيته وأعطاه مكانة خاصة، واستمر ذلك لمدة سنتين حتى توفي. بعد وفاة الجد، تولى عمه أبو طالب، الأخ الوحيد لوالده، مسؤولية تعليمه الأخلاق والصدق في الحديث، وكان يعاونه في التجارة ورعي الغنم.
كان -صلى الله عليه وسلم- نموذجاً للسعي في طلب الرزق منذ صغره، مما هيأه لقيادة الأمة وتعليم الحلم والشفقة والصبر على الدعوة ورعاية شؤون الأمة. خصه الله -عز وجل- برعاية الغنم بسبب ضعفها وتفككها عن غيرها من الحيوانات لتكون معيشته من الحلال ومن عمل يده، وهذا كان سبباً في تواضعه.
عناية الإسلام باليتيم
اهتم القرآن الكريم باليتيم منذ بداية الدعوة، وتفضل الله -عز وجل- على نبيه الذي نشأ يتيماً، فآواه وحماه ورعاه، مما يعكس تكريماً لليتيم. وأمر الله -سبحانه- بإكرامهم والإحسان إليهم. ولعظم مكانته، قرن الله -سبحانه- حقوق اليتامى بحقوقه في العبادات، ومن المواثيق التي أخذها الله -عز وجل- من بني إسرائيل قوله: (وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ).
وأمر الله -عز وجل- من يتولى رعاية اليتيم أن يتحلى بالأمانة على أمواله، فلا يسرفها أو يتضمنها المحرمات، وأن يحرص على ردها إليهم كاملة عند بلوغهم، كما جاء في قوله: (وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَاراً أَنْ يَكْبَرُوا وَمَنْ كَانَ غَنِيّاً فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا). أما بالنسبة للاهتمام الذي أولاه النبي -عليه الصلاة والسلام- لليتيم، فقد كان عظيماً، حيث بشر كافل اليتيم بدخول الجنة معه، فقال: (وأنا وكافِلُ اليَتِيمِ في الجَنَّةِ هَكَذا؛ وأشارَ بالسَّبَّابَةِ والوُسْطَى، وفَرَّجَ بيْنَهُما شيئًا).
خلاصة المقال: تناول المقال الحكمة من يتم النبي -صلى الله عليه وسلم- ومراحل نشأته حتى بلوغه سن الرشد، كما تم الإشارة إلى عناية الإسلام باليتيم.