التفريق بين مفهوم القدر والنصيب في الدين الإسلامي

الفرق بين القدر والنصيب في الإسلام

لفهم الفرق بين القدر والنصيب، من الضروري التعرف على معاني ومفاهيم كل منهما في اللغة والشريعة، وسيتم توضيح ذلك على النحو التالي:

تعريف القدر

  • القدر في اللغة

يُعرف القدر بأنّه القضاء والحكم، وهو ما يقدره الله -عز وجل- من الأمور ويقضي به، فمثلاً: قَدَرَ الرزق يعني قسّمه. كما أن من معاني القدر أيضاً التروية والتفكير لتسوية الأمور وهيئتها.

  • القدر اصطلاحاً

يستخدم مصطلح القدر بمعنيين: إما للإشارة إلى التقدير السابق المتعلق بعلم الله، أو للإشارة إلى ما خلقه الله وأوجده وفق ما علمه. بمعنى آخر، هو علم الله الأزلي في المعنى الأول، وإيجاد الأشياء استنادًا إلى علم الله في المعنى الثاني.

تعريف النصيب

  • النصيب لغة

يعني النصيب الجزء المحدد من الشيء، حيث قال -تعالى-: (لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ)، بمعنى أنه جزء من الميراث. ويدل النصيب أيضًا على الحظ من كل شيء، فيقال: ليس له نصيب في المال، أي ليس له حظ فيه. وقد أوردت كتب اللغة أن هناك فرقًا بين الحظ والنصيب، فالنصيب يمكن أن يكون في المحبوب والمكروه، بينما الحظ يقتصر على الخير فقط.

  • النصيب اصطلاحاً

لا تختلف دلالة النصيب عن معناه اللغوي، إذ يدور حول مفهوم الحظ من الأشياء والجزء من الشيء الموزع.

الفرق بين القدر والنصيب

من خلال ما سبق، يتضح أنه لا يوجد فرق جوهري بين القدر والنصيب، فكلاهما يشير إلى ما يصيب الإنسان كقدر مكتوب، وهو حظه المقدر منذ قبل خلق السماوات والأرض. كما قال -صلى الله عليه وسلم-: (كَتَبَ اللَّهُ مَقادِيرَ الخَلَائِقِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ بِخَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ).

أركان الإيمان بالقدر

إن الإيمان بالقدر يعد جزءًا أساسيًا من أركان الإيمان، فلا يكتمل إيمان المسلم إلا من خلال اعتقاده بقدر الله، خيره وشره. وقد أشار العلماء إلى أن هناك أربعة أركان رئيسية للإيمان بالقدر، وإلا اختل إيمان الشخص بها، وهي كما يلي:

  • الإيمان بعلم الله الشامل

يعلم الله -عز وجل- ما كان وما سيكون، وحتى ما لم يحدث لو حدث، وقد توافرت الأدلة على علم الله المحيط بكل شيء، منها قوله -تعالى-: (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا).

  • الإيمان بكتابة الله في اللوح المحفوظ

كتب الله -عز وجل- كل ما يتعلق بالخَلق في اللوح المحفوظ، وعلمه سابق على كتابته. وقد أورد الإمام مسلم الحديث المتعلق بذلك، كما يقول -تعالى-: (إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُّبِينٍ).

  • الإيمان بمشيئة الله وقدرته التامة

كل ما يشاء الله -عز وجل- يحدث، وما لا يشاء لا يكون، وذلك لعلمه ومشيئته، وليس لعدم قدرته. يقول -تعالى-: (وَلَو أَنَّا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَى وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلًا مَّا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ).

  • الإيمان بأنّ الله هو الخالق لكل شيء

تتعدد الأدلة التي تشير إلى أن الله -سبحانه- هو خالق كل شيء، ولا شريك له في خلقه. حتى أعمال البشر، فإن الله -عز وجل- هو خالقها، كما قال -تعالى-: (ذَلِكُمُ اللَّـهُ رَبُّكُمْ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ لَّا إِلَـهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ)، وأيضًا: (وَاللَّـهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ).

هل ينفي القدر أو النصيب حرية اختيار الإنسان؟

يتساءل بعض الأفراد عما إذا كانت إرادة الإنسان منعدمة طالما أن الله -عز وجل- قد كتب وحدد كل شيء قبل خلق السماوات والأرض، وبالتالي، يرون أن لا داعي للعمل. للرد على هذا الفهم الخاطئ، يجب التأكيد على أن الإنسان يمتلك إرادة واختيارًا، بينما نتفق على أن ما يحدث هو ما قدره الله وعلمه مسبقًا.

لننظر إلى كلام الخطابي الذي يوضح الفهم الصحيح للقدر: “يعتقد الكثير من الناس أن معنى القدر من الله، والإجبار على ما قضاه، ليس هو ما يتخيلونه، بل يعني أن علم الله المسبق يُخبر بما سيكون من أفعال العباد التي تتعلق بتقديره وخلقه للخير والشر”.

ويحثنا النبي -صلى الله عليه وسلم- على أهمية العمل وعدم الاعتماد فقط على المكتوب، إذ قال عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: “لما نزلت هذه الآية: فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ، سألت رسول اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: يا نبيَّ اللَّهِ، على ما نعمل؟ على شيء قد فُرِغَ منه، أو على ما لم يُفْرَغْ منه؟ فقال: بل على شيء قد فُرِغَ منه وجرت به الأقلام، يا عمرُ، ولكن كلٌ ميسَّرٌ لما خُلِقَ له”. وعلى المسلم أن يبذل جهده في العمل بالأسباب المشروعة، دون الاعتماد على المكتوب، فعمله ينتمي أيضًا إلى قدر الله، والله أعلم.

Related Posts

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *