ابدأ بنفسك ووجهها نحو الصلاح

تحليل قصيدة “ابدأ بنفسك فانهها عن غيها” لأبو الأسود الدؤلي

ألف هذه القصيدة الشاعر أبو الأسود الدؤلي، واسمه ظالم بن عمرو بن سفيان بن جندل الدؤلي الكناني. وقد عُرف بتنوع مواهبه، حيث كان فقيهًا وأميرًا وشاعرًا، ويُعد من الأفراد الذين ساهموا في تأسيس قواعد النحو العربي. عاصر الدؤلي فترتي الجاهلية والإسلام، لكنه لم يكن من الشعراء المدافعين عن الدين الجديد، إذ استمر في كتابة شعره كما هو. ومن قصائده المشهورة، بيت الشعر الذي يقول: “حَسَدوا الفتى إِذ لم ينالوا سَعيهُ”، والذي نسبه البعض إلى الأخطل، بينما أشار أبو هلال العسكري إلى المتوكل الليثي.

في الجهة الأخرى، أشار الأشموني وابن عقيل إلى أن القصيدة تعود لأبي الأسود. تتكون القصيدة من 30 بيتًا، وهي موزعة على البحر الكامل. فيما يلي تحليل للأبيات:

  • حَسَدوا الفَتى إِذ لَم يَنالوا سَعيهُ

فَالقَومُ أَعداءٌ لَهُ وَخُصومُ

يعبر الشاعر في هذا البيت عن نظرة الحاسدين تجاه من يسعى ويحقق النجاح، رغم أنهم لم يبذلوا جهدًا مشابهًا.

  • كَضَرائِرِ الحَسناءِ قُلنَ لِوَجهِها

حَسدًا وَبَغيًا إِنَّهُ لَدَميمُ

يستخدم الشاعر تشابهًا بين خصوم الناجحين وضرائر النساء الجمال، اللواتي لا يجدن فيهن عيبًا، ولكن حسدهن يُحجّم تقديرهن لجمالهن.

  • وَالوَجهُ يُشرُقُ في الظَلامِ كَأَنَّهُ

بَدرٌ مُنيرٌ وَالنِساءُ نُجومُ

المعنى هنا هو أن وجه المرأة الجميلة يُشبه في إشراقه القمر في الليل، تمامًا كما يُنظر إلى الناجحين بشيء من الاستنكار.

  • وَتَرى اللَبيبَ مُحسَّدًا لَم يَجتَرِم

شَتمَ الرِجالِ وَعَرضُهُ مَشتومُ

يستعرض الشاعر وضع الأذكياء بين الآخرين، موضحًا أنهم يتعرضون للإساءة رغم أنهم لم يضروا أحدًا، مؤكدًا فقط على ذكائهم.

  • وَكَذاكَ مَن عَظُمَت عَليهِ نِعمَةٌ

حُسّادُه سَيفٌ عَليهِ صَرومُ

يعزز الشاعر فكرة أن من يتمتع بنعم كثيرة يكون دائمًا محط حسد من حوله، حيث يُشبه الحساد بسيف مُشهر يؤدي إلى الأذى.

  • فاِترُك مُحاوَرةَ السَفيهِ فَإِنَّها

نَدمٌ وَغِبٌّ بَعدَ ذاكَ وَخيمُ

يوصي الشاعر بترك التعامل مع الحمقى والسفهاء، لأن النتائج ستكون مضرة أكثر من أي جدوى.

  • وَإِذا جَريتَ مَع السَفيهِ كَما جَرى

فَكِلاكُما في جَريهِ مَذمومُ

يحث الشاعر على تجنب السير مع السفهاء، إذ إن ممارساتهم منتقدة لكل الأطراف المعنية.

  • وَإِذا عتِبتَ عَلى السَفيه وَلُمتَهُ

في مِثلِ ما تأَتي فَأَنتَ ظَلومُ

يوضح الشاعر أن اللوم الذي يُوجه إلى السفيه يعود على من يقوم بذلك بشكل سلبي.

  • لا تَنهَ عَن خُلُقٍ وَتَأتيَ مِثلَهُ

عارٌ عَلَيكَ إِذا فَعَلتُ عَظيمُ

ينبه الشاعر إلى العار الناتج عن النهي عن المنكر والقيام بمثله، وهو عمل غير محمود.

  • ابدأ بِنَفسِكَ وَانَها عَن غِيِّها

فَإِذا انتَهَت عَنهُ فَأَنتَ حَكيمُ

يصل الشاعر إلى نقطة هامة، حيث ينصح كل فرد بالبدء بإصلاح نفسه، فالتغيير الذاتي هو طريق الحكمة.

  • فَهُناكَ يُقبَل ما وَعَظتَ وَيُقتَدى

بِالعِلمِ مِنكَ وَيَنفَعُ التَعليمُ

يوضح أن من يصل إلى الحكمة يمكنه تعليم الآخرين، إذ ستكون موعظته مقبولة ومفيدة.

  • وَيلُ الخَلِيِّ مِنَ الشَجِيِّ فَإِنَّهُ

نَصِبُ الفُؤادِ بِشَجوِهِ مَغمومُ

يبرز الشاعر الفارق بين الخالي من الهموم والشخص الذي يعاني، مشيرًا إلى ثقل الهموم على قلب الأخير.

  • وَتَرى الخَليَّ قَريرَ عَينٍ لاهيًا

وَعَلى الشَجيِّ كَآبَةٌ وَهُمومُ

يُظهر في هذا البيت السعادة التي يبدو عليها الخالي من الهموم مقارنة بالحزن الذي يُعاني منه الشخص الشجي.

  • وَتَقولُ مالَك لا تَقول مَقالَتي

وَلِسانُ ذا طَلق وَذا مَكظومُ

يطرح الشاعر تساؤلات عن أسباب صمت البعض عن التعبير عن مشاعرهم، وما يدخل عليهم من معاناة.

  • لا تَكلَمَن عِرضَ ابنِ عَمِّكَ ظالِمًا

فَإِذا فَعَلتَ فَعِرضُكَ المَكلومُ

يحث الشاعر على عدم التحدث عن عِرض ابن العم أو أي قريب، مؤكدًا أن هذا الفعل يعود بأضرار جسيمة عليه.

  • وَحَريمُهُ أَيضًا حَريمُكَ فاحمِهِ

كي لا يُباعُ لَدَيكَ مِنهُ حَريمُ

يؤكد الشاعر على فكرة حماية شرف العائلة، مُشيرًا إلى أن كل فرد مسؤول عن حماية أقربائه.

  • وَإِذا اِقتَصَصتَ مِن ابنِ عَمِّكَ كَلمَةً

فَكُلومُهُ لَكَ إِن عَقِلتَ كُلومُ

يُشير الشاعر إلى أن الرد على الإساءة بكلمة من ابن عمّه يمكن أن يؤثر سلبًا عليه.

  • وَإِذا طَلَبتَ إِلى كَريمٍ حاجَةً

فَلِقاؤُهُ يَكفيكَ وَالتَسليمُ

يُبرز الشاعر فضيلة الكرم، حيث إن لقاء الكريم يمكن أن يُعتبر كافيًا لتلبية الحاجة.

  • فَإِذا رَآكَ مُسَلِّمًا ذَكَرَ الَّذي

كَلَّمتَهُ فَكأَنَّهُ مَلزومُ

يشير الشاعر هنا إلى أن الكرماء يقدّرون من يُسلم عليهم ويُذكرون المعاملة التي تلقوها.

  • وَرأى عَواقِبَ حَمدِ ذاكَ وَذَمِّهُ

لِلمَرءِ تَبقى وَالعِظامُ رَميمُ

يؤكد الشاعر أن أخلاق الإنسان تظل مُحترمة حتى فترة طويلة بعد وفاته.

  • فارجُ الكَريمَ وَإِن رَأَيتَ جَفاءَه

فالعَتبُ مِنهُ والكِرامِ كَريمُ

يدعو الشاعر إلى طلب المساعدة من الكريم حتى في أوقات الجفاء، لأن طبع الكرم يُؤسس لمساعدة هل يقوم بها الناس.

  • إِن كُنتَ مُضطَرًّا وَإِلّا فاِتَّخِذ

نَفَقًا كَأَنَّكَ خائِفٌ مَهزومُ

يُنبه الشاعر إلى أنه في حال عدم الحاجة يكون من الأفضل التراجع.

  • وَاِترُكهُ واحذَر أَن تَمُرَّ بِبابِهِ

دَهرًا وَعِرضُكَ إِن فَعَلتَ سَليمُ

ينصح الشاعر بعدم الطلب من الكريم في حال عدم الحاجة، حيث يبقى الفرد معززا في نظر الناس.

  • فَالناسُ قَد صاروا بَهائِمَ كُلُّهُم

وَمِنَ البَهائِمَ قائِدٌ وَزَعيمُ

يشير الشاعر إلى تدهور القيم الأخلاقية بين الناس، حتى أصبحت أقل من قدر بهائم.

  • عُميٌ وَبُكمٌ لَيسَ يُرجى نَفعُهُم

وَزَعيمُهم في النائِباتِ مُليمُ

يواصل الشاعر تصوير وصف الناس الحالي، مشبهًا إياهم بالبهائم التي لا تُفيد في الفائدة.

  • وَإِذا طَلَبتَ إِلى لَئيمٍ حاجَةً

فَأَلِحَّ في رِفقٍ وَأَنتَ مُديمُ

يتحدث الشاعر عن كيفية التعامل مع اللئيم، حيث يتطلب الأمر عناءً كبيرًا في الطلب.

  • وَاِسكُن قِبالَةَ بَيتِهِ وَفِنائِهِ

بِأَشَدِّ ما لَزِمَ الغَريمَ غَريمُ

يتابع الشاعر توضيح الطريقة التي يجب التعامل بها مع اللئيم، حتى تكاد تصبح جارين له.

  • وَعَجِبتُ للدُنيا وَرَغبَةِ أَهلِها

وَالرِزقُ فيما بَينَهُم مَقسومُ

ويتأمل الشاعر في تصرفات أهل الدنيا ورغبتهم الجامحة في حصد المزيد من الرزق، رغم أن الرزق مقسم بينهم مسبقًا.

  • وَالأَحمقُ المَرزوقُ أَعجَبُ مَن أَرى

مِن أَهلِها وَالعاقِلُ المَحرومُ

هذا البيت يُظهر الخلل في موازين توزيع الأرزاق، حيث يحصل الأحمق على رزق أكثر من العاقل.

  • ثُمَّ اِنقَضى عَجَبي لِعلميَ أَنَّهُ

رِزقٌ مُوافٍ وَقتُهُ مَعلومُ

في النهاية، يتأمل الشاعر في فكرة أن لكل رزق وقته المحدد.

معاني مفردات قصيدة “ابدأ بنفسك فانهها عن غيها”

وفيما يلي تفسير المعاني اللغوية لبعض المفردات المستخدمة في القصيدة:

المفردةمعنى المفردة
اللبيبالذكي العاقل.
صرومالسيف القاطع.
السفيهالجاهل أو المُبذر.
غِبٌّجمعها أغباب، وهي العاقبة أو الآخرة.
الغيالضلال.
الخليّالخالي من الهم.
الشجيّمن لم يجد مخرجًا من الهم والحزن.
مكظومالمملوء همًّا وحزنًا.
مكلوممجروح.
حريمكل ما يُحرّم انتهاكه، أو نساء الرجل.
الأحمققليل العقل الطائش.

الصور الفنية في قصيدة “ابدأ بنفسك فانهها عن غيها”

تحتوي القصيدة على عدد من الصور البيانية التي تميزها، ومنها ما يلي:

  • وَالوَجهُ يُشرُقُ في الظَلامِ كَأَنَّهُ

بَدرٌ مُنيرٌ وَالنِساءُ نُجومٌ

هذا تشبيه كامل، حيث يُشبه الشاعر الوجه بالبدر المنير مع علامة التشبيه “كأنّ”.

  • وَكَذاكَ مَن عَظُمَت عَليهِ نِعمَةٌ

حُسّادُه سَيفٌ عَليهِ صَرومٌ

تشبيه آخر يربط بين الحساد والسيف القاطع، مما يدل على تأثير الحسد القوي.

الأفكار الرئيسية في قصيدة “ابدأ بنفسك فانهها عن غيها”

تحتوي القصيدة على مجموعة من الأفكار الرئيسية، تشمل:

  • الحسد الذي يُصيب المجتهد الناجح، دون أن يُقيم الآخرين جهوده.
  • التحذير من مجالسة السفهاء والتصرف مثلهم.
  • قيمة الكرم وذم اللئيم والبخيل.
  • عدم نقل الحديث والتكلّم في أعراض الناس.
  • الإيمان بأن الأرزاق مقدّرة وتوزع وفق الأوقات المناسبة.

كلمات قصيدة “ابدأ بنفسك فانهها عن غيها”

وفيما يلي النص الكامل للقصيدة:

حَسَدوا الفَتى إِذ لَم يَنالوا سَعيهُ

فَالقَومُ أَعداءٌ لَهُ وَخُصومٌ

كَضَرائِرِ الحَسناءِ قُلنَ لِوَجهِها

حَسدًا وَبَغيًا إِنَّهُ لَدَميمٌ

وَالوَجهُ يُشرُقُ في الظَلامِ كَأَنَّهُ

بَدرٌ مُنيرٌ وَالنِساءُ نُجومٌ

وَتَرى اللَبيبَ مُحسَّدًا لَم يَجتَرِم

شَتمَ الرِجالِ وَعَرضُهُ مَشتومٌ

وَكَذاكَ مَن عَظُمَت عَليهِ نِعمَةٌ

حُسّادُه سَيفٌ عَليهِ صَرومٌ

فاِترُك مُحاوَرةَ السَفيهِ فَإِنَّها

نَدمٌ وَغِبٌّ بَعدَ ذاكَ وَخيمٌ

وَإِذا جَريتَ مَع السَفيهِ كَما جَرى

فَكِلاكُما في جَريهِ مَذمومٌ

وَإِذا عتِبتَ عَلى السَفيه وَلُمتَهُ

في مِثلِ ما تأَتي فَأَنتَ ظَلومٌ

لا تَنهَ عَن خُلُقٍ وَتَأتيَ مِثلَهُ

عارٌ عَلَيكَ إِذا فَعَلَتُ عَظيمٌ

ابدأ بِنَفسِكَ وَانَها عَن غِيِّها

فَإِذا انتَهَت عَنهُ فَأَنتَ حَكيمٌ

فَهُناكَ يُقبَل ما وَعَظتَ وَيُقتَدى

بِالعِلمِ مِنكَ وَيَنفَعُ التَعليمُ

وَيلُ الخَلِيِّ مِنَ الشَجِيِّ فَإِنَّهُ

نَصِبُ الفُؤادِ بِشَجوِهِ مَغمومٌ

وَتَرى الخَليَّ قَريرَ عَينٍ لاهيًا

وَعَلى الشَجيِّ كَآبَةٌ وَهُمومٌ

وَتَقولُ مالَك لا تَقول مَقالَتي

وَلِسانُ ذا طَلق وَذا مَكظومٌ

لا تَكلَمَن عِرضَ ابنِ عَمِّكَ ظالِمًا

فَإِذا فَعَلتَ فَعِرضُكَ المَكلومُ

وَحَريمُهُ أَيضًا حَريمُكَ فاحمِهِ

كي لا يُباعُ لَدَيكَ مِنهُ حَريمُ

وَإِذا اِقتَصَصتَ مِن ابنِ عَمِّكَ كَلمَةً

فَكُلومُهُ لَكَ إِن عَقِلتَ كُلومُ

وَإِذا طَلَبتَ إِلى كَريمٍ حاجَةً

فَلِقاؤُهُ يَكفيكَ وَالتَسليمُ

فَإِذا رَآكَ مُسَلِّمًا ذَكَرَ الَّذي

كَلَّمتَهُ فَكأَنَّهُ مَلزومٌ

وَرأى عَواقِبَ حَمدِ ذاكَ وَذَمِّهُ

لِلمَرءِ تَبقى وَالعِظامُ رَميمٌ

فارجُ الكَريمَ وَإِن رَأَيتَ جَفاءَهُ

فالعَتبُ مِنهُ والكِرامِ كَريمٌ

إِن كُنتَ مُضطَرًّا وَإِلّا فاِتَّخِذ

نَفَقًا كَأَنَّكَ خائِفٌ مَهزومٌ

وَاِترُكهُ واحذَر أَن تَمُرَّ بِبابِهِ

دَهرًا وَعِرضُكَ إِن فَعَلتَ سَليمٌ

فَالناسُ قَد صاروا بَهائِمَ كُلُّهُم

وَمِنَ البَهائِمَ قائِدٌ وَزَعيمٌ

عُميٌ وَبُكمٌ لَيسَ يُرجى نَفعُهُم

وَزَعيمُهم في النائِباتِ مُليمٌ

وَإِذا طَلَبتَ إِلى لَئيمٍ حاجَةً

فَأَلِحَّ في رِفقٍ وَأَنتَ مُديمٌ

وَاِسكُن قِبالَةَ بَيتِهِ وَفِنائِهِ

بِأَشَدِّ ما لَزِمَ الغَريمَ غَريمٌ

وَعَجِبتُ للدُنيا وَرَغبَةِ أَهلِها

وَالرِزقُ فيما بَينَهُم مَقسومٌ

وَالأَحمقُ المَرزوقُ أَعجَبُ مَن أَرى

مِن أَهلِها وَالعاقِلُ المَحرومُ

ثُمَّ اِنقَضى عَجَبي لِعلميَ أَنَّهُ

رِزقٌ مُوافٍ وَقتُهُ مَعلومٌ

Related Posts

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *