تعريف اليتيم من منظور لغوي وشرعي
اليتيم هو الفرد الذي فقد والده، وقد يشير الفعل “أيتمت” إلى حال المرأة عندما يصبح أولادها أيتاماً. وقد ورد عن ابن منظور أن اليُتم يدل على الانفراد، بينما قيل إن أصل الكلمة يعني الغفلة، إذ يتغافل الناس عن برّ اليتيم. كما قيل إنه يدل على البُطء بسبب أن البرّ قد يتأخر عنه. تبقى المرأة يتيماً حتى تتزوج، ويُشير ابن الأثير إلى أن مفهوم اليتيم يمكن أن يبقى مُستخدمًا حتى في حالة الكبر، كما كان الحال مع النبي -عليه الصلاة والسلام- الذي أطلق عليه وصف “يتيم” بسبب تربية أبو طالب له بعد وفاة والده. في الشرع، يُعرف اليتيم بأنه الفرد الذي فقد والده قبل سن البلوغ، وفور وصوله سن البلوغ يُسقط عنه لقب اليتيم، كما ورد في حديث النبي -عليه الصلاة والسلام-: (لا يُتْمَ بعدَ احتِلامٍ). وقد بين بعض العلماء أن مصطلح “اليتامى” في الآية الكريمة (وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ) يعني الأشخاص الذين كانوا في حالة اليتم قبل البلوغ.
عند الإشارة إلى اليتيم، يُستخدم المصطلح للإشارة إلى من فقد والده، بينما في الحيوانات، يُطلق ليتيم على من فقد أمه؛ لأن الأم هي التي تلعب دوراً حيوياً في التربية والإرضاع. أما الطيور، فإن مفهوم اليُتم يشمل فقد الأب والأم معاً، لأن الطيور تعتاد على وجود كلا الأبوين لتربية صغارها. الإسلام أولى اهتماماً خاصاً باليتيم من حيث تربيته ورعايته، واعتبر الجوانب النفسية والمادية مهمة، وذلك لتخفيف الشعور بالقهر أو الانكسار الذي قد ينتاب اليتيم، حيث يقول الله -تعالى-: (فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ). كما شجع الإسلام على كفالة اليتيم والاعتناء به، وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- ينصح من يشكو من قسوة قلبه أن يمسح على رأس اليتيم.
مكانة اليتيم وإعطائه الأولوية في الإسلام
الإسلام يعتبر اليتيم من الأمور المهمة ويعطيه الأولوية من حيث الرعاية والتربية والمعاملة، بهدف عدم شعوره بالنقص ولتعزيز دوره كعنصر فعّال في المجتمع. تتكرر الإشارة إلى اليتيم ومشتقاته في ثلاث وعشرين آية من القرآن الكريم، حيث تركز هذه الآيات على الحفاظ على حقوق اليتيم، وضمان مصالحه في حياته وممتلكاته وزواجه، مع التذكير بالأهمية النفسية لليتيم. منذ بداية نزول القرآن، أوضح الله -تعالى- كيف عُني برسوله: (أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى* وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى* وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى). كما أمر الله -تعالى- أولياء الأمور بالاعتناء باليتيم والمحافظة على ممتلكاته، مع تجنب التبذير والإسراف. وبمجرد أن يبلغ اليتيم سن الرشد، يجب رد أمواله إليه، كما جاء في قوله: (وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ). وهذا الأمر ينطبق على الذكور والإناث على حد سواء.
كما شدد الإسلام على أهمية العطف والرحمة تجاه اليتيم واعتبر ذلك من الواجبات الدينية. وقد ذكر النبي -عليه الصلاة والسلام- أن كافل اليتيم له أجر عظيم، حيث قال: (أنا وكافِلُ اليَتِيمِ في الجَنَّةِ هَكَذا)، وكان يحث على عدم إذلال اليتيم أو قهره. وتتضمن الولاية على اليتيم مسؤوليات متعددة؛ فهي تشمل العناية بنفسه وتعليمه وتنشئته بطريقة صحيحة، بالإضافة إلى الولاية المالية التي تقتضي الحفاظ على أمواله وعدم هدرها، مع تقديمها له عندما يصبح قادرًا على إدارة شؤونه بنفسه. الإسلام عالج قضايا اليتيم بشريعته العادلة وأكد على حقوقه، مشددًا على أهمية المعاملة الحسنة تجاهه.
أهمية كفالة اليتيم وفوائدها
تتعدد فضائل كفالة اليتيم وفوائدها، ومنها:
- الأجر العظيم المنال ودخول الجنة، كما جاء عن النبي -عليه الصلاة والسلام-: (أنا وكافِلُ اليَتِيمِ في الجَنَّةِ هَكَذا).
- تلطيف قسوة القلب، كما أنه قد يكون سبباً في رقته؛ فقد شكى أحد الرجال قسوة قلبه، فأوصاه النبي بالمسح على رأس اليتيم وإطعام المسكين.
- الحصول على الحسنات، فقد قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: (مَن مَسَحَ رَأسَ يَتيمٍ لم يَمسَحْه إلَّا للهِ، كان له بكلِّ شَعرةٍ مَرَّتْ عليها يدُه حَسناتٌ).
- يعتبر دليلًا على الفطرة النقية والقلب الرحيم، حيث يساهم في تعزيز ترابط المجتمع ونشر المحبة بين أفراده.
- تُعتبر كفالة اليتيم من الأعمال التي تعزز زكاة المال وتطهيره، وهي أخلاق حميدة دعا إليها الإسلام، ويمثل ذلك حفظاً لذرية الكافل بعد وفاته.
- كما أنها من الأعمال التي حث عليها النبي -صلى الله عليه وسلم- ورغّب فيها.
التفريق بين كفالة اليتيم والتبني
يكمن الفارق بين كفالة اليتيم والتبني في أن التبني يتطلب أخذ اليتيم وجعله كأحد أبناء الأسرة بنسبة إليه، وهو أمر محرم في الإسلام، إذ يؤدي إلى ضياع الأنساب. بينما تتعلق كفالة اليتيم برعايته دون نسبه، وهو ما دعا إليه الإسلام. يقول الله -تعالى-: (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَىٰ قُلْ إِصْلَاحٌ لَّهُمْ خَيْرٌ)، وقد شهد النبي -عليه الصلاة والسلام- بأن كفالة اليتيم من الأمور التي تفتح أبواب الجنة. ومن المهم على الكافل فصل اليتيم عن نسائه عند بلوغه سن الرشد.