التفريق بين الخوف الطبيعي وخوف العبادة
في اللغة، يُعرَّف الخوف بأنه الفزع، ويستخدم الفعل “خاف” في إشارة إلى هذا المعنى. ويشير ابن القيم الجوزية -رحمه الله- في شرحه للخوف إلى أنه نوع من الاضطراب الذي يصيب القلب نتيجة استحضار ما يخاف منه. سيستعرض هذا المقال الفروق بين الخوف الطبيعي وخوف العبادة بالتفصيل.
الخوف الطبيعي
الخوف الطبيعي هو شعور بالقلق والاضطراب الذي ينشأ في القلب. يعود سبب هذا الاضطراب إلى إشارات غير مؤكدة أو معلومات تجعل الفرد يتوقع حدوث أحداث سلبية محتملة في المستقبل، سواء في الحياة أو في الآخرة. وهناك نوع من الخوف الطبيعي يُعتبر مذموماً، مثل الخوف الناتج عن الأوهام أو الجُبن، الذي لا يستند إلى أسباب حقيقية.
أما الخوف غير المذموم، فيظهر في قصص الأنبياء، مثل قصة موسى -عليه السلام- في سورة القصص حيث يقول الله -تعالى-: (فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفاً يَتَرَقَّبُ)، مما يدل على أن هذا النوع من الخوف له سبب مشروع وضروري، حيث يمكن أن يحفز الشخص لاتخاذ خطوات لحماية نفسه، كما يفعل المحاربون الذين يتسلحون استعدادًا لمواجهة أعدائهم.
يمكن اعتبار الخوف ضد الأمن، فهو يحدث عندما يتوقع الإنسان مكروهات أو يفوته محبوب، مما يؤدي إلى اضطراب القلب وزيادة الفزع. تجسّد هذه المعاني في قوله -عز وجل- في سورة الأحزاب: (إِذْ جَاءُوكُم مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا). كما يُظهر قوله -تعالى- في نفس السورة: (فَإِذَا جَاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ).
خوف العبادة
يؤكد الله -تعالى- في كتابه المقدس: (إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ). تبيّن هذه الآية أن خوف العبادة هو نوع خاص من الخوف ينبغي أن يكون موجهًا فقط نحو الله -عز وجل- ويجب إفراده به، فلا يجوز تعويذ هذا الاحساس للخلائق الأخرى. هذا هو الخوف الذي يحث الإنسان على الاندماج في الفعل الصالح والابتعاد عن الذنوب والمعاصي.
يطلق العلماء على خوف العبادة اسم “خوف السر”، الذي يتقرب به العبد إلى ربه -عز وجل- عبر استحضار وجوده في الدوام، مما يحث على تجنب ما يسخطه. ويمكن تقسيم هذا الخوف إلى قسمين: الأول وهو الواجب، الذي يدفع الشخص إلى الابتعاد عن الكبائر. الثاني هو المستحب، الذي يعزز استقلالية الشخص في أداء النوافل والسنن والعظات.
توجد أيضًا أنواع أخرى من الخوف التي ينبغي تجنبها، مثل الخوف الذي يمنع الشخص من القيام بواجباته الدينية، كما هو الحال مع الخوف من العدو الذي يعيق الالتزام بالجهاد في سبيل الله، أو الخوف الذي يعوق أداء الفرائض التي فرضها الله -عز وجل- على عباده.