التفريق بين الجرح والتعديل والغيبة
مفهوم الجرح والتعديل
إليكم مفهوم الجرح والتعديل:
- التعديل
يُعرّف التعديل على أنه الإشارة إلى صفات الراوي التي تدعم صحة روايته. لذا، يُعتبر الأصل في المسلم هو العدالة، ويقبل ما يرويه إلا في حال ثبتت أسباب تدعو إلى إسقاط روايته أو التوقف في قبولها.
- الجرح
أما الجرح، فهو الإشارة إلى بعض صفات الراوي التي تؤدي إلى ردّ روايته. مما يعني أن الراوي ينتقل من مجال العدالة الأصلية إلى عدم العدالة بسببات طارئة كالكذب، أو نتيجة ما يمر به الإنسان من نسيان أو كبر في السن أو غفلة.
معايير الجرح والتعديل
وضعت العلماء معايير محددة تتعلق بالجرح والتعديل، وهي غالباً ما تتواجد في مؤلفاتهم عندما يتم تناول موضوع الجرح وطبيعته وحدوده، بالإضافة إلى التمييز بينه وبين الغيبة. من بين هذه المعايير الشرعية نذكر:
- الجرح يكون فقط مرتبطاً بسياق رواية الحديث.
- يتم ذكر ما يفسد الرواية دون التطرق إلى كافة تفاصيل حياة الراوي أو عيوبه، إذ يُعتبر ذلك غير مشروع.
- قد لا يستمر الجرح؛ بمعنى أنه يمكن أن تُرفع الصفات التي أسقطت الرواية، بحيث تُقبل الرواية لاحقاً.
- قد يكون الجرح موجّهاً لجزء معين، مما يعني أن ردّ الرواية يتعلق بنوع محدد منها، كما لو كان الراوي مبتدعاً يروج لبدعته، مما يتطلب ردّ الأحاديث المتعلقة بذلك.
معنى الغيبة
الغيبة هي تحدثك عن أخيك بما يكرهه، وهو التعريف الذي قدمه النبي محمد -صلى الله عليه وسلم-. تعتبر الغيبة أصلاً محرمة بالإجماع، وقد تَحلّ أو تُباح في حالات معينة لأغراض مشروعة لا يمكن تحقيقها إلا من خلالها. وقد قامت العديد من النصوص الشرعية في القرآن والسنة النبوية بالتأكيد على تحريم الغيبة، وبيان عواقبها السيئة على من يمارسها دون توبة.
شروط جواز الغيبة
حدد العلماء أسباباً تتعلق بجواز أو وجوب الغيبة، وهي ستة أسباب رئيسية، نذكرها كالتالي:
- المتظلّم
يشير ذلك إلى الشخص الذي تعرّض للظلم، حيث يُسمح له بالتقدم بشكوى لمن يعتقد أنه قادر على استعادة حقوقه.
- الاستعانة لتغيير المنكر
وهذا يكون من خلال الإبلاغ عن الشخص الذي يُعتقد أنه يمكنه العمل على إزالة ذلك المنكر، وإلا ستصبح تلك الغيبة محرمة.
- الاستفتاء
يشمل ذلك تقديم الشكاوى للمفتي، مثل “ظَلَمَني فلان” أو طلب المساعدة من المفتي لفهم الوضع بشكل صحيح.
- التحذير من الشر
تشمل تقديم النصائح للناس حول وسائل الخداع والمكر، وأيضاً جرح رواة الحديث والشهود، ويجوز ذلك بالإجماع إذا كان الهدف هو النصح لوجه الله تعالى.
- المجاهر
يتعلق ذلك بالأشخاص المعروفين بمعاصيهم والفسق والبدع، كشاربي الخمر وتجار المخدرات وغيرهم.
- التعريف
يشير ذلك إلى استخدام لقب يُعرف الشخص من خلاله، بشرط أن يكون التعريف بهدف وليس للإساءة إذ ينبغي تجنبه إن أمكن.
علاقة الجرح بالغيبة
يمكننا رؤية الفارق بين التعديل الذي يركز على الإيجابيات، والجرح الذي يتمحور في سياق ضيق يُبتعد فيه عن الإثم، وذلك لغرض بيان الحق ودفع الباطل عن سنة النبي -صلى الله عليه وسلم-. بينما الغيبة تُعتبر إظهار الصفات السلبية لشخص لغير غرض مشروع، وهي محرمة بالإجماع، ولا تُباح إلا وفق شروط وضوابط واضحة تتعلق بنية الشخص، بحيث تكون تلك النية خالصة لله دون محاولة للتشهير.
حسب فهم العلماء، يُعتبر الجرح أحد الأنواع الستة المستثناة من مفهوم الغيبة. يظن البعض أن الجرح يُعتبر غيبة، لكنه يُعطى صفة مقيدة تهدف إلى المحافظة على الحق بدلاً من الإضرار بشخص آخر، إذ يتطلب ديننا تثبيت الحق وفقاً للضوابط الشرعية اللازمة.
في حالة عدم وجود هذا الاستثناء، لربما ضاعت السنة النبوية ولتضررت حقوق العباد في المحاكم، مما قد يؤدي إلى انتشار الفساد، وتضليل الناس من قبل الفاسدين. وبالتالي، يتضح أن الجرح مُعتبر جائزاً لتأكيد الحق المُباح الذي يحتاج إلى الكشف والحفاظ عليه.
أهمية دراسة علم الجرح والتعديل
حماية الدين تُعتبر من أولى الأولويات، والمساهمة في ديمومته من خلال الكشف الدلائل والبراهين التي تستند إلى صحة الآيات، ويعتمد ذلك على الاحتكام إلى قواعد منهجية وواضحة.
لذا، يظل العلم بموضوع الجرح والتعديل والضوابط الشرعية المتعلقة بالغيبة ذا أهمية قصوى في حفظ الحقوق سواء كانت عبودية أو حقوق الله سبحانه وتعالى.
وبصفة عامة، يُعتبر الجرح والتعديل من فروع علوم الحديث، حيث يحدد الأشخاص الذين تُقبل رواياتهم، بينما تُعتبر الغيبة من فئات المعاصي الكبيرة، مع وجود ضرورة شرعية لبعض أنواعها.