تفسير دعوة الناس إلى طريق الله بالحكمة والنصيحة الجيدة

قد كلّف الله سبحانه وتعالى نبيه الكريم محمد صلى الله عليه وسلم بأن يدعو قومه بلطف ورحمة، متجنبًا أساليب العنف في هدايتهم. وقد تكررت هذه التوجيهات في مواضع عدة من القرآن الكريم، وهي تمثل سنة الله في خلقه.

كما أوحى الله إلى موسى عليه السلام أن يتحدث إلى فرعون بلين. وأيضاً أرسل نوح الذي دعا قومه، حيث قال الله تعالى: {ادعُ إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة} (سورة النحل). في هذا المقال، سنستعرض تفسير الآية الكريمة “ادعُ إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة”.

سبب نزول آية {ادعُ إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة}

  • قال الله سبحانه:
    • {ادعُ إلى سبيل ربك بالحكمة، والموعظة الحسنة، وجادلهم بالتي هي أحسن، إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله، وهو أعلم بالمهتدين، وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به، ولئن صبرتم لهو خير للصابرين، وأصبر وما صبرك إلا بالله، ولا تحزن عليهم، ولا تكن في ضيق مما يمكرون، إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون} (سورة النحل، الآيات 125-128).
  • هذه الآيات تبين القواعد الرئيسية للدين الإسلامي، الذي يقوم على الرحمة والسلام.
  • وكدليلٍ على ذلك، أوصى الله نبيه محمد صلى الله عليه وسلم باستخدام الحكمة والموعظة الحسنة كأسلوب في الدعوة إلى دينه.
  • ويجب أن تتم المجادلة بأسلوب لطيف وبما هو أفضل في القول والفعل.
  • وإذا كانت هناك حاجة للعقوبة، يجب أن تكون متناسبة، بعيدًا عن المبالغة أو التعدي.

الصبر على الأذى والاعتداء

  • جعل الله الصبر على الاعتداء من أفضل الصفات للصابرين، رغم قدرتهم على الانتقام.
  • كما بشر الله رسوله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين بثواب الصبر وغفرانه.
  • وأخبرهم أنه سبحانه معهم ويدعمهم، وأنه مع المتقين.
  • وقد جعل الصبر له مرحلتين: الصبر مع التقوى، والصبر مع الإحسان.
  • فأي دين يدعو إلى الإحسان حتى مع الأعداء؟
    • إنه ديننا الحنيف، دين محمد صلى الله عليه وسلم.
  • هذه هي الحجة البليغة من القرآن الكريم ضد من يدعي أن الإسلام انتشر بالعنف والسلاح.

فرض الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة

  • عند العودة إلى تاريخ الإسلام، نجد أن الغالبية العظمى من الدول التي دخلها الإسلام لم تُفتَح من خلال القوات العسكرية.
    • بل تم ذلك من خلال الكلمة الطيبة والموعظة الحسنة.
  • فحسب دراسات تاريخية، وصل الإسلام إلى دول بعيدة جداً مثل شرق آسيا.
    • كيف تم ذلك؟ هل كان هناك جيوش تدخل تلك البلدان؟
  • على سبيل المثال، دخل الإسلام إلى ماليزيا وإندونيسيا، حيث يعد تعداد سكانهما يزيد عن مليار نسمة، ومعظمهم من الموحدين.
    • كيف حدث ذلك؟ نجيب بأن التجار المسلمين هم من أدخلوا الإسلام لتلك الدول.
  • حيث كانوا يتاجرون ويزورون تلك الأماكن البعيدة، ويتعاملون مع سكانها المحليين.
  • حينما اختبر أهل تلك البلاد أمانتهم وأخلاقهم وعبادتهم الصادقة، استقبلوهم بود وترحاب.
  • وكان بعض من التجار يذهب حتى لنصح المشتري بأخذ السلعة الأفضل من جاره المحلي.
  • هذا يعكس كيف كانوا سفراء للإسلام من خلال اللين والإحسان.
  • ولم يقتصر الأمر على ذلك، بل الإسلام أيضاً دخل إلى إفريقيا بطرق مشابهة.
  • وأيضًا، الفقرة تثير سؤالًا، كيف دخل الإسلام بلدان لم تصلها جيوش أو دعاة؟
  • كما دخل الإسلام عبر اللطف والكلمة الطيبة من المهاجرين.
  • وأيضًا من الذين عادوا إلى بلادهم محملين بتعاليم الإسلام السمحة، حيث عايشوا مع أهلها.
  • وأسلوبهم في التفاعل كان مبنيًا على الرحمة والمعاملة الحسنة، وهي الأساس في الدعوة.
  • وكفى بما يمنحنا النبي صلى الله عليه وسلم من توجيه بأن نستقبل الآخرين بابتسامة، حيث قال: {تبسمك في وجه أخيك صدقة}.

اللين في الدعوة

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ما نزع اللين من أمر إلا شانه، وما كان في أمر إلا زانه”.

وقال سبحانه:

(“فبما رحمة من الله لنت لهم، ولو كنت فظاً غليظ القلب لأنفضوا من حولك، فأعف عنهم واستغفر لهم، وشاورهم في الأمر، فإذا عزمت فتوكل على الله، إن الله يحب المتوكلين”) (سورة آل عمران، الآية 159).

اللين هو سنة الله الدائمة لجميع رسله وأنبيائه، وخاصة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وقد جاء الأمر الإلهي لموسى عليه السلام بالذهاب إلى فرعون، حيث قال الله تعالى:

(“أذهبا إلى فرعون فقولا له قولاً ليناً لعله يتذكر أو يخشى”) (سورة طه، الآية 44).

فكم كان أمر الله باللين مع أشد أعدائه على مر العصور! لقد كان فرعون هو عدو الله.

المغيرون لسنة الله

عبر العصور، شاهدنا بعض الذين انحرفوا عن السبيل التي أمر الله بها في الدعوة، وهو اللين.

كان من بين هؤلاء الخوارج الذين قتلوا سيدنا علي كرم الله وجهه، ومن قبله عثمان بن عفان، الذي كان يستحي منه الملائكة.

عثمان بن عفان، الصحابي الذي ختم القرآن الكريم في ركعة واحدة.

هؤلاء الذين وصفهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنهم “كلاب أهل النار”.

وقد قال: “طوبى لمن قتلهم، وقتلوه، فإنهم لم يتخذوا سنة الله سبيلًا في دعواهم”.

تجلى في تصرفاتهم الكبرياء والاستعلاء، حيث اعتقدوا أنهم أفضل من غيرهم في العبادة والزهد.

وكانوا يلتقون الناس بوجوه عابسة، بل اعتزلوا المجتمع ونظموا صفوفهم حتى بلغ عددهم 4000 في زمن علي بن أبي طالب.

فقد أرسل سيدنا علي سيدنا عبد الله بن عباس إليهم، ليجادلهم بأحسن مجادلة، وبالفعل رد العديد منهم.

واليوم لا نزال نشهد من يعترضون على أمر الله، وينحرفون عن سبيل اللين في الدعوة، حتى تعتمدوا على العنف كوسيلة لنشر الإسلام، والإسلام براء منهم.

ونرى بعض الجماعات مثل “الدواعش” وغيرهم الذين اتخذوا العنف وسيلة للدعوة، وهذا ما نهى الله عنه.

من شاء فليؤمن ومن شاء فليكتف

لم يأمر الله سبحانه وتعالى نبيه محمد صلى الله عليه وسلم بإنزال الإكراه على الناس لدخول الإسلام.

بل أوصى بدعوتهم بلطف وحكمة ورقة.

ثم ترك الأمر لما يشاءه المخاطبون: “فمن شاء فليؤمن، ومن شاء فليكفر”.

والحساب يوم القيامة عند الله، وما على الرسول إلا البلاغ.

الصبر على أذى أعداء الدين

لقد أسس الله سبحانه دعوة رسوله على اللين والحكمة، والحجة بالحجة والموعظة الحسنة.

ثم أمره بالصبر أمام أذى الكافرين، رغم تقديره صلى الله عليه وسلم وأصحابه على جواب الإساءة.

وهذا يعكس رسالة السلام والمحبة العالمية التي جاء بها النبي صلى الله عليه وسلم.

فديننا دين الرحمة، بالحب ينزع الكراهية من القلوب.

ثم فوق الصبر هناك الإحسان حتى إلى الأعداء، وهذا تجسيد لقول الله صلى الله عليه وسلم: “أفشوا السلام بينكم”.

تفسير الآية الكريمة

ادعُ إلى سبيل ربك… معناها أن تدعو إلى شريعة ربك، وهو دين الإسلام الذي ارتضاه الله لعباده الموحدين.

بالحكمة… يعني بوحي الله الذي أنزل على رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم.

والموعظة الحسنة… تشير إلى العبارات الجيدة التي أتى بها القرآن.

وجادلهم بالتي هي أحسن… أي استخدم أسلوبًا لطيفًا مع تجاهل أي أذى من جانبهم.

التفسير الميسر

يدعو الرسول (صلى الله عليه وسلم) نفسه ومن تبعه إلى دين الله بطريقة حكيمة، مستخدمًا أسلوبًا يناسب كل فرد، ويوجه لهم نصائح حسنة، ويناقشهم بلطف. وعليه البلاغ، وهداية الناس بيد الله، وهو أعلم بمن ضل ومن اهتدى.

المختصر في التفسير

يدعو الرسول إلى دين الإسلام بما يناسب الأفراد، مستفيدًا من الترغيب والترهيب، مستخدمًا آليات الدعوة الأحسن. فليس عليه هدايتهم، بل عليه البلاغ، والله أدرى بمن ضل ومن اهتدى.

تفسير جلالين

يدعو محمد الناس إلى دين الله بالحكمة (أي القرآن) وبمواعظ القرآن، ويتحدث معهم بأسلوب لطيف. الله هو العليم بمن ضل ومن اهتدى، وسيجازي الجميع.

تفسير السعدي

يدعو الرسول إلى سبيل الله لكل الناس، وفقًا لظروفهم. فليدع بالعلم وبالموعظة الحسنة، وإذا لم يقبلوا، فيجادلهم بأسلوب حسن. الله أعلم بمن ضل ومن اهتدى.

تفسير البغوي

يدعو الناس إلى دين الله بالحكمة (أي القرآن) وبأسلوب لطيف. ويجادلهم بأفضل الطرق، دون استخدام العنف، والله أعلم بمن ضل ومن اهتدى.

التفسير الوسيط

تشير الآية إلى آداب الدعوة ووسائلها، حيث يجب أن تكون الدعوة إلى الله بحكمة وموعظة حسنة تناسب الأحوال الخاصة بالمدعوين. يجب أن يمتلك الدعاة خلفية دينية ومعرفة بأساليب الدعوة لتكون أكثر فعالية.

تفسير ابن كثير

يأمر الله رسوله بالدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة. وإذا تطلب الأمر الجدل، فيجب أن يكون بطريقة لطيفة. الله هو العليم بمن ضل ومن اهتدى، وعلى الرسول إبلاغ الرسالة فقط.

تفسير القرطبي

الآية نزلت في مكة عند صدور الأمر بمهادنة قريش. توصي بدعوة الناس بلطف، وهو النهج الذي يجب اتباعه مع العصاة. الآية محكمة للعصاة ومنسوخة بالنسبة للكافرين.

Related Posts

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *